ضحايا الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة. (أرشيف)
ضحايا الهجوم الإرهابي على مسجد الروضة. (أرشيف)
الأحد 26 نوفمبر 2017 / 19:58

القاتل الأمريكي والوحش الداعشي

الوحش يريد التدليل، بعمليات من هذا النوع، على عجز الدولة، وفشلها في حماية مواطنيها. وهذه ذريعة واهية، وغير مُقنعة، فالصحيح أن هذا النوع من العمليات يزيد من التفاف المواطنين العاديين حول سلطة الدولة

لا يوجد في اللغة ما يكفي من المفردات للتعبير عن مشاعر الغضب، والكراهية، والازدراء، التي تعتمل في قلب الإنسان، إزاء الوحوش البشرية التي ارتكبت مجزرة مسجد الروضة في مدينة بير العبد المصرية، في سيناء. ولا ينبغي أن تحيد كل محاولة لترجمة المشاعر إلى سياسة عن ضرورة الدعوة إلى تدمير الوحش بالمعنى المادي والأيديولوجي، فلا مصالحة، ولا تسوية، ممكنة مع هؤلاء.

ومع ذلك، ثمة ما يبرر التفكير في ظاهرة الوحش، على اختلاف تسمياته وراياته، في سياق أعرض من خصوصياتها المحلية في هذا البلد أو ذلك، وعلى خلفية هذه العملية أو تلك، فالهجمة الأخيرة في سيناء، التي قتل فيها ما يزيد على ثلاثمائة من المدنيين، في مكان للعبادة، يُفترض أن تُسهم مكانته الرمزية في حماية مَنْ تواجدوا فيه من الأذى، تكررت من قبل في بلدان عربية وإسلامية مختلفة.

يمكن القول، طبعاً، إن الوحش لا يقيم وزناً لحياة المدنيين، ولا يحترم دور العبادة، وهذا صحيح، ولكنه ينطوي على دلالة أبعد تتجلى في حقيقة عدم الحرص على كسب تعاطف سكّان محليين، يمكن أن يمثلوا حاضنته الاجتماعية. فلن يتصوّر عاقل في الكون أن هجوم بير العبد يساعد في إنشاء أو تعزيز حاضنة اجتماعية. العكس هو الصحيح، فبعد هجمة كهذه خلق الوحش لنفسه مزيداً من الأعداء بين الناس العاديين، في سيناء، ومصر عموماً، وفي كل مكان آخر.

ويمكن القول، أيضاً، إن الوحش يريد التدليل، بعمليات من هذا النوع، على عجز الدولة، وفشلها في حماية مواطنيها. وهذه ذريعة واهية، وغير مُقنعة، فالصحيح أن هذا النوع من العمليات يزيد من التفاف المواطنين العاديين حول سلطة الدولة، ولا يمكّن حتى أكثر معارضيها السلميين تشدداً من الاعتراض على حقها في الدفاع عن المجتمع، خاصة وأن الوحش لا يقدم بديلاً بالمعنى السياسي والاجتماعي.

وقد يُذكّر البعض، لأسباب جدالية محضة، بالتصوّرات والاستيهامات الدينية الوهمية والمتوّهمة، السائدة في منابر الوحش الإعلامية، وسلوكه الدعائي، بوصفها البرنامج البديل. ولكن، حتى مع غض النظر عمّا يسم التصوّرات والاستيهامات المعنية من بدائية وسذاجة، فإن في مجرّد وجودها ما يستدعي محاولة إقناع الناس بها.

وهذا ما لا يحدث، ولا يتجلى في كل سلوك محتمل، فالوحش لا يحرص على إقناع أحد بمرافعاته الأيديولوجية بقدر حرصه على ترويع الناس العاديين، وإخضاعهم بالسيف لا بالمنطق. لذا، يتفنن في ابتكار وسائل ومشاهد القتل، كما حدث في حادثة إحراق الطيار الأردني، وفي مشاهد جز أعناق الرهائن. في سياق كهذا يصبح الكلام عن محاولة التدليل على عجز الدولة، وفشلها في حماية مواطنيها، بلا معنى. فالقائل بأمر فشل الدولة يفكر في السياسة، أما الوحش فيوجد في مكان ما خارج السياسة، أو قبلها. وفي سياق كهذا، أيضاً، يمكن فهم ولعه بالدم، وعبادته للموت.

بمعنى أكثر وضوحاً، العدو الحقيقي للوحش هو المجتمع نفسه. وهو يعادي الدولة، ويعمل على تدميرها، لأنها تمثل حاجزاً بينه وبين المجتمع الذي يريد احتلاله، والاستيلاء عليه. وأذكر، في هذا الصدد، فكرة لياسين الحاج صالح عن داعش في سورية بوصفها قوّة احتلال استيطاني أجنبي. وفي هذا قدر من الصحة، لا يصدق على الوحش في سورية وحسب، ولكن في كل مكان آخر. فالوحش معولم وعابر للحدود السياسية والثقافية.

وثمة مسألة إضافية، هنا، فقد يسأل البعض: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يكسب الوحش الأنصار، ويلتحق به أشخاص من مناطق مختلفة من العالم؟ تفسّر الخصوصيات الاجتماعية والسياسية، خاصة في المراحل الأولى لاحتدام الصراع في سورية، وليبيا، والعراق، وما نجم عن تقاطع المحلي والإقليمي والدولي، جانباً من الأمر، وإن كان، كما نعرف الآن، بعد فوات الأوان.

ولكن الجانب الآخر يتمثل في حقيقة أن الوحش يمثّل جاذبية خاصة لأشخاص هامشيين معادين للمجتمع. ولا فرق، في الواقع، بين الأمريكي الذي أطلق مئات الطلقات، قبل أسابيع، على حفل غنائي في مدينة أمريكية، وبين الداعشي الذي أطلق النار على مصلين في بير العبد. كلاهما من القماشة نفسها:
عبادة للموت، وولع بالدم، عدمية، وكراهية للأنا الفردي والجمعي على حد سواء. والفرق بين هذا وذاك أن القاتل الأمريكي أبكم (حتى الآن على الأقل)، أما الوحش فيغلّف الكراهية بقشرة واهية من القداسة. لذا، تزداد سُميته ومعها ضرورة القضاء عليه.