الإثنين 27 نوفمبر 2017 / 21:50

فاتنا قطار اليابان

فؤاد أبو حجلة

قبل أيام قدمت الحكومة اليابانية اعتذارا رسميا إلى الشعب بسبب خلل إداري أدى إلى تقصير أضر بمصالح المواطنين. وفي بيان رسمي اعترفت الحكومة بمسؤوليتها الكاملة عن "كارثة" انطلاق قطار من محطته في طوكيو قبل موعد انطلاقه بعشرين ثانية.

حدث هذا بالفعل، ونشر خبر الاعتذار الحكومي في معظم المنابر الإعلامية في العالم، وقرأناه ونحن غير مصدقين لهذا التطرف في الانضباط الياباني الذي يذكرنا دائما بمدى تحررنا من الانضباط في أي شيء.

ماذا يعني أن يبكر القطار في الانطلاق ويتحرك قبل موعده بعشرين ثانية؟ ثم إن القطار لم يتأخر في الانطلاق حتى يتذمر ركاب تأخروا عن اللحاق بمواعيدهم، فلماذا كل هذا الاستنفار ولماذا الاعتذار؟

بالطبع، يبدو الأمر غريبا بالنسبة لنا، نحن الذين تتساوى لدينا الدقيقة والساعة واليوم بأكمله، ونرتدي ساعات فاخرة لا ننظر إليها إلا لماما. لكن الأمر ليس غريبا بالنسبة لشعب يضبط إيقاعه بالثانية. وربما لهذا السبب هم يصنعون السيارات ونحن نشتريها ونستخدمها في الوصول إلى مواعيدنا متأخرين دائما.

ذات سفر، فوجئت بعد وصولي إلى المطار بإلغاء رحلة الطائرة التي حجزت مقعدا فيها، ورغم وجود رقم هاتفي لدى قسم الحجز في الشركة فإن احدا لم يتصل ليبلغني بإلغاء الرحلة ويقدم لي سببا كاذبا لهذا الإلغاء كالقول مثلا إن الإلغاء تم بسبب سوء الأحوال الجوية، أو أن قائد الطائرة مشغول بتلقي العزاء بوفاة خالته.

وعندما توجهت إلى مكتب شركة الطيران في المطار لأغير الحجز لم يعتذر لي أحد عن هذا الإلغاء، واكتفت الموظفة التي كانت تحدق في شاشة الكمبيوتر بإبلاغي بأن علي العودة غدا في نفس الموعد أو دفع غرامة تغيير موعد السفر لأستقل طائرة أخرى في نفس اليوم! دفعت واعتذرت للموظفة ولشركتها عن اضطراري للسفر وإقلاق راحة وطمأنينة الموظفين المثابرين.

بالطبع وصلت إلى وجهتي متأخرا، فبادرت لدى وصولي بالاتصال مع مسؤول كان ينبغي أن ألتقيه في موعد محدد، واعتذرت له عن تأخيري شارحا ما حدث في المطار. قبل المسؤول اعتذاري وقال: لا بأس، نلتقي غدا. وعندما سألته: متى تحديدا، قال: بكره الصبح الساعة واحدة الظهر!
قبل واقعة القطار المبكر في الانطلاق كان وزير الطاقة الياباني قد اعتذر بطريقة ملفتة عندما انحنى أمام الشعب عشرين دقيقة عقابا لذاته على انقطاع الكهرباء عشرين دقيقة!

وأذكر أنني انحنيت أكثير من عشرين دقيقة ذات مساء صيفي وأنا أبحث عن حذائي في شقتي المعتمة عندما انقطعت الكهرباء فجأة ولم يطل انقطاعها أكثر من ثمان ساعات فقط بسبب خلل تبين فيما بعد أنه لم يكن طارئا.

في نهاية ذلك الشهر وصلتني فاتور كهرباء خيالية في قيمتها، وقد هيئ لي أن شركة الكهرباء قررت تحميلي قيمة العطل والضرر الذي أصاب المواطنين جراء انقطاع الكهرباء.

كل ما تقدم لا يثير الدهشة في بلادنا فقد تعودنا على ذلك لأننا لسنا يابانيين، لكن ما يستفزني حد الغضب هو الاصرار على الاستخفاف بالوقت وقيمته في نشرة الأخبار التي استهلتها المذيعة بالقول: العاشرة والنصف بتوقيت..... وإليكم نشرة أخبار العاشرة!

لقد فاتنا قطار اليابان. ذهب مبكرا وبقينا على الرصيف.