سيارة بيك أب تنقل أثاثاً في الرقة.(أرشيف)
سيارة بيك أب تنقل أثاثاً في الرقة.(أرشيف)
الثلاثاء 28 نوفمبر 2017 / 19:44

ستون قتيلاً بألغام داعش في الرقة من أجل اقتصاد قسد

لا تمر ساعة على متابعي الفضاء الأزرق من أبناء الرقة إلا ويقرؤون نعي أخ أو صديق أو جار بألغام داعش التي زرعها في كل أنحاء المدينة، حتى بلغ العدد منذ بداية نوفمبر (تشرين الثاني) أكثر من ستين قتيلاً.

يمكن لمن يستطيع الدفع بسخاء تأمين بيته من الألغام، وحراسته من اللصوص، لكن المبلغ لا يقل عن 250 ألف ليرة (حوالي 500 دولار أميركي)، وقد يزيد هذا المبلغ إذا أردت استعادة موجودات بيتك المسروق

ومن يتذكر كيف منع داعش أهالي قرية المشلب، شرق المدينة، من العودة إلى بيوتهم باستخدام الرصاص الحي بعد أيام من إعلان السيطرة على الرقة، بحجة حمايتهم من ألغام داعش، ثم تنفيذ وعده بإنهاء الكشف عن الألغام خلال عشرة أيام، يقف مشككاً في السماح للمدنيين بالتجول في أحياء المدينة المدمرة حتى حصدت هذا العدد الهائل من المدنيين الذين لا يمكن اتهام داعش فقط بالمساهمة في قتلهم في هذه المرة، بل اتهام قسد، أو عناصر فيها، بالتسبب في ذلك.

المنطقي أن لا مصلحة لقسد، ككيان سياسي وعسكري، في ذلك. لكن هذا لا يعفي القادة أو العناصر من تهمة التقصير في حماية المدنيين.
ليس التقصير فقط، بل المشاركة في ابتزاز المدنيين، ونصب الأفخاخ لهم، فالأخبار المتواترة من هناك تفيد بنشوء مهنة "البحث عن الألغام"، وكل من لا يدفع، أو لا يستطيع الدفع، يُسمح له بتفقد منزله، أو الشارع الذي يقع فيه المنزل "على مسؤوليته".

وعبارة "على مسؤوليته" لها معنيان اثنان، الأول إخلاء مسؤولية قوى الأمر الواقع من النتيجة التي غالباً ما تنتهي بمقتل الشخص المعني، والثاني إقناع من لا يريدون الدفع أن الطريقة الوحيدة لتمكنهم من دخول منازلهم بأمان هي الدفع لاختصاصي كشف الألغام مبلغ 200 دولار (أكثر من مئة ألف ليرة) للقيام بتأمين المنزل.

أما أكثر ما يتوارد من الرقة في الأيام الأخيرة فهو قيام عناصر من قسد بتفخيخ بيوت بشكل واضح. وهي بيوت لم يزرع فيها داعش ألغاماً! والهدف هو إخافة المدنيين من الاقتراب منها، خاصة إذا كان صاحب البيت لا يملك ما يدفعه لخبير الألغام. وتفسير هذا التصرف، على العموم، هو كسب الوقت كي يقوم اللصوص بـ"تعفيش" البيوت وسرقة محتوياتها.

أما السرقة الآن، فتتم داخلياً، أي يتم نقل محتويات البيوت إلى مخازن أو بيوت أخرى تحت سيطرة المعفشين وشركائهم من قسد، ليتم بيعها أو التصرف فيها في وقت مناسب، أو نقلها إلى خارج المدينة حين تسنح الفرصة.

بالطبع، لم تكن الرقة أول مدينة، أو بلدة، يتسلط فيها حملة السلاح، وشركاؤهم من اللصوص، على حياة المدنيين وممتلكاتهم، فقد حدث هذا في حمص، وريف دمشق، وحلب، وديرالزور، لكن التهمة كانت موجهة إلى جيش النظام والميليشيات الحليفة له. كما حدث ذلك من قبل فصائل عسكرية معارضة بحجة أنها ستشتري بثمن التعفيش السلاح والذخيرة لقتال جيش النظام.

أما أن يقوم به تشكيل عسكري مثل قسد، غالبية عناصره وقادته من الأكراد، ومدعوم من أمريكا، فذلك ما لا يمكن تفسيره بمجرد قيام حلف بين عناصر غير منضبطة ولصوص، خاصة أن المدينة نالها كثير من التدمير بحجة داعش، دون نسيان فضيحة إخراج حوالي خمسة آلاف من عناصر داعش بصفقة مشبوهة لم يتمكن أحد من تفسيرها تماماً حتى اليوم.

فأهالي الرقة، حتى غير المسيّسين منهم، ينظرون إلى كل ذلك بشبهة عنصرية، أو انتقامية، خاصة أن عناصر جاهلة في قسد كتبوا في أماكن مروا فيها قبل حصار الرقة "انتقاماً لكوباني: PYD مرَّ من هنا".

ونحن هنا نحاول التبرير أن مسؤولي قسد "لا يعلمون" بتصرفات هؤلاء العناصر، على الرغم من شعارات الديمقرطية، و"أخوة الشعوب" التي يكررها ناطقون باسم قسد، وناطقون باسم الحزب الكردي الحاكم في معظم مناطق الجزيرة السورية.

ربما كانت هذه بعض ملامح اقتصاد المرحلة الجديدة، ففي عهد داعش الذي امتد أكثر من ثلاث سنوات كادت مهنة الحلاقة تكسد تماماً، وتخلى معظم الخياطين عن التصميمات الجديدة، فالمطلوب هو اللباس الأفغاني، أو الثوب، للرجال، والعباءات للنساء.

ولأن القدرة الشرائية تراجعت عند معظم المدنيين، كان عناصر داعش هم الكتلة المستهلكة الرئيسة، للأساسيات والكماليات.
اليوم، المهنة الوحيدة موضوعها الألغام، وعودة النازحين، حيث يمكنك استئجار سيارة بمرافقة عنصر من قسد للقيام بجولة في الشوارع الرئيسة في المدينة، والمرور في الشارع الذي يقع فيه بيتك للاطمئنان على سلامته من التدمير، أو البكاء على أطلاله من بعيد.

كما يمكن لمن يستطيع الدفع بسخاء تأمين بيته من الألغام، وحراسته من اللصوص، لكن المبلغ لا يقل عن 250 ألف ليرة (حوالي 500 دولار أمريكي)، وقد يزيد هذا المبلغ إذا أردت استعادة موجودات بيتك المسروق، حيث يمكن لعناصر قسد المساعدة في ذلك من خلال علاقاتهم مع اللصوص.