رقية السادات وهدى عبدالناصر.(أرشيف)
رقية السادات وهدى عبدالناصر.(أرشيف)
الخميس 30 نوفمبر 2017 / 20:16

عندما تقف الرموز التاريخية أمام المحكمة!

نقدم جولات التقاضي بين ابنتي الرئيسين الراحلين، «جمال عبد الناصر» و«أنور السادات» حول الواقعة الغامضة التي نقلتها الأولى عن الرواية التى ذكرها «محمد حسنين هيكل»، نموذجاً للمشاكل التي تحدث بين أقارب وأنصار الرموز التاريخية، وسوف تزداد تعقيداً إذا ما وصلت إلى القضاء.

في 10 يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، تبدأ إحدى المحاكم المصرية إعادة النظر في الحكم الذي قضى بمعاقبة الدكتورة هدى - ابنة الرئيس عبد الناصر - بدفع تعويض مدني قدره مائة ألف جنيه مصري للسيدة رقية - ابنة الرئيس السادات.

وكانت د.هدى قد أدلت بحديث صحفي اتهمت فيه السادات بأنه هو الذى دس السم لأبيها، واستندت في ذلك إلى واقعة رواها الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، خلاصتها أنه كان يزور الرئيس عبد الناصر في الجناح الذي خُصص له بفندق النيل/ هيلتون، أثناء اجتماع مؤتمر الرؤساء والملوك العرب، لبحث الصراع بين فصائل المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، ولم يكن معه سوى نائبه آنذاك أنور السادات.

وأثناء المناقشة بين الثلاثة، طلب عبد الناصر قدحاً من القهوة، ورفض السادات استدعاء الموظف المختص بذلك وأصر على أن يقوم بإعداد القهوة وتقديمها بنفسه لعبد الناصر، الذي توفي بعد تناولها بوقت قليل.. فيما اعتبرته ابنة الرئيس السادات اتهاماً صريحاً لأبيها بقتل عبد الناصر، فأقامت دعوى قضائية تطالب هدى عبد الناصر بتعويض قدره عشرة ملايين جنيه، ولكن محكمة الاستئناف قضت لها بتعويض لا يزيد على مائة ألف جنيه، فطعنت رقية السادات على الحكم أمام محكمة النقض، التي قبلت الطعن، وحددت العاشر من يناير المقبل لإعادة النظر في القضية.

وبصرف النظر عما سوف تنتهي إليه الجولات التالية من التقاضي ف هذه القضية، فهي نموذج لنوع المشاكل القضائية التي سوف تواجهها المحاكم المصرية فى حالة إقرار مشروع قانون "حماية الرموز والشخصيات التاريخية" الذي اقترحه أحد أعضاء مجلس النواب المصري.. وهو يحظر - طبقاً لمسودته الأخيرة - التعرض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية التي تشكل جزءاً من تاريخ الدولة، ويعاقب بالحبس مدة تتراوح بين 3 و5 سنوات أو بغرامة تتراوح بين 100 ألف و500 ألف جنيه، كل من أساء للرموز والشخصيات التاريخية وفي حالة العودة تتراوح مدة الحبس بين 5 و7 سنوات، وتتراوح الغرامة بين 500 ألف جنيه ومليون جنيه.

ويبدو أن الحملة التي تعرض لها مشروع القانون، هي التى دفعت صاحب الاقتراح والذين تحمسوا له، لتضمينه مادة تنص على أن يعفى من العقوبة كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات التي اتخذتها، وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية.

ما يلفت النظر في مشروع القانون بصورته شبه النهائية التي وصلت إلى اللجنة التشريعية، هى أنه يغلظ عقوبة الحبس في حالة العودة، بحيث يرتفع بحدها الأدنى من ثلاث إلى خمس سنوات، ويرتفع بعقوبة الغرامة في الحالة نفسها، من نصف مليون جنيه إلى مليون جنيه، وفي الحالتين لا يخير النص القانوني القاضي بين إحدى العقوبتين على نحو قد يفهم منه، أن المشرِّع يترك الحرية مطلقة للقاضي في أن يحكم بالحبس والغرامة معاً، وهو لدد في العقوبة لا يوجد في مادة التأثيم ذاتها ما يبرره.

ما يؤيد ذلك، أن مشروع القانون يعفي من العقوبة - كل من تعرض للرموز التاريخية، بغرض تقييم التصرفات والقرارات في الدراسات والأبحاث العلمية، وهو ما يعنى جواز التعرض لتصرفات هذه الرموز التاريخية وقراراتها، إذ كان هذا التعرض في سياق الدراسات والأبحاث العلمية.. وهو ما يتطلب أن يحدد القانون، أو مذكرته التفسيرية أو لائحته التنفيذية، المقصود - على وجه التحديد - بالدراسات والأبحاث العلمية، وهل يقتصر حق تناول قرارات وتصرفات هذه الرموز، على الذين يعدون أطروحات الماجستير والدكتوراه في علم التاريخ، وما يتصل به من علوم، أو أن يتسع ليشمل، فضلاً عمن يدرسون التاريخ دراسة أكاديمية، في أقسام التاريخ بالجامعات المصرية، المؤرخون الهواة الذين يؤلفون فيه كتباً وأبحاثاً لا تستهدف الحصول على درجات علمية، بل استكمال ما ينقصهم وينقص غيرهم من معرفة.

وتقدم جولات التقاضي بين ابنتي الرئيسين الراحلين، جمال عبد الناصر وأنور السادات حول الواقعة الغامضة التي نقلتها الأولى عن الرواية التى ذكرها محمد حسنين هيكل، نموذجاً للمشاكل التي تحدث بين أقارب وأنصار الرموز التاريخية، وسوف تزداد تعقيداً إذا ما وصلت إلى القضاء.. وإذا ما استصدرنا قانوناً يفصل بين المختلفين حول تفاصيلها، بدلاً من أن نترك ذلك للمؤرخين يفصلون فيه على ضوء المقارنة بين ما جمعوه من روايات، وما وقع بين أيديهم من وثائق.

من بين نماذج المشاكل التي وقعت بين الرموز التاريخية ووصلت إلى القضاء، ما وقع بين الرئيس محمد نجيب - أول رئيس لمصر الجمهورية - وبين محمد حسنين هيكل حول قصة بناء "برج القاهرة". وكان هيكل، قد ذكر في كتاب "عبد الناصر والعالم"، وهو أول كتاب كتبه عن عبد الناصر عقب رحيله عن الدنيا، أن الميزانية التي بُني بها "برج القاهرة" وقدرها ثلاثة ملايين دولار، كانت في الأصل منحة قدمتها المخابرات المركزية الأمريكية للرئيس محمد نجيب لكي ينفقها على حراسته الخاصة، لكن الرئيس عبد الناصر استخدمها في بناء البرج لكي يغيظ الأمريكيين ويثبت لهم أنه عصي على الرشوة، وما كاد كتاب هيكل يصدر، حتى أفرج عن الرئيس محمد نجيب الذي كان تحت الإقامة الجبرية من خريف 1954، فأقام دعوى قضائية ضد هيكل يؤكد فيها أن الرواية الحقيقية لبناء "برج القاهرة" وردت في كتاب "لعبة الأمم" الذي ألفه مايلز كوبلاند مدير محطة المخابرات الأمريكية في القاهرة آنذاك، وأنه سلم المبلغ لأحد معاوني عبد الناصر، بعد عزل محمد نجيب عن منصبه، واضطر هيكل إلى نشر تكذيب للواقعة واعتذار عن نشرها على صفحات "الأهرام"، يؤكد فيها أن نجيب لم يكن له صلة ببناء برج القاهرة ولم يكن المقصود بالرشوة، التي موَّل بها عبد الناصر بناءه.