الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (أرشيف)
الثلاثاء 5 ديسمبر 2017 / 20:46

ترامب يمهد لصفقة القرن.. بقنبلة

ألا يدرك الرئيس ترامب مكانة القدس وقوة تأثيرها في نفوس وسلوك الملايين من البشر؟ ألم يقرأ ما أحدثه حرق المنبر في الأقصى على مستوى العالم كله ؟

كلما اقترب موعد الإفصاح الأمريكي عن بنود صفقة القرن، تكثر التسريبات وينهمك المحللون السياسيون في دراستها واستنتاج الخطوات التي ستتبع لتنفيذها.

وآخر ما تم تسريبه هو احتمال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس، وخلال ساعات سيظهر ما اذا كان هذا التسريب بمثابة تهيئة نفسية لمناقشة هذا القرار، أو بالون اختبار لقياس ردود الفعل، أو أنه تخويف مسبق للفلسطينيين ومن معهم إذا ما فكروا برفض المقترحات الأمريكية مهما كانت.

الرئيس ترامب غيّرَ قواعد اللعبة، إذ بدل الإغراء من أجل القبول، اعتمد التهديد المباشر والتخويف، وبدل أن يصعد السلم من الأسفل إلى الأعلى قفز إلى النهايات قبل أن يعرف أحد ما هي البدايات، وقد وضع الفلسطينيين في حالة تشبه سباق الحواجز، غرضه قطع أنفاسهم بحيث يهدهم التعب ويستسلمون.

قبل أن يفصح عن بند واحد من بنود صفقة القرن، وضع قائمة ممنوعات وطلب من الفلسطينيين التقيد بها، دون أن يقول لهم ما هو المقابل الذي سيقدمه لهم إذا ما ساروا وراءه دون اعتراض، بدأ بطلب صريح من الفلسطينيين بالتوقف عن دفع مخصصات المعتقلين، كما لو أنه يطلب من قيادتهم اعتبارهم مجرمي حرب لا مناضلين من أجل الحرية.

وبعد ذلك طلب تهذيب اللغة الفلسطينية تجاه الاحتلال والا اعتبر الفلسطينيين محرضين ضد السلام وانسانية وحضارية نتنياهو وليبرمان وبينيت، وطلب منهم تخفيض نشاط مكتبهم في واشنطن الى الحد الأدنى، مهددا بعقوبة اغلاقه لو خالف ولو بكلمة واحدة مزاج إدارة ترامب.

وبعد ذلك ارتفعت النبرة بشأن نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وهذا أمر اعتبره كل من سبقوه من الرؤساء الأمريكيين كبيرة الكبائر، فلم يقدموا عليه خشية تفجير الوضع على الصعيدين العربي والإسلامي، فتم وقف تنفيذ قرار الكونجرس بهذا الشأن، وتجميد الأمر الى ما بعد حل القضية الفلسطينية، ولا بد أن يكون في جعبة ترامب ما هو أكثر من ذلك ليهدد به، وبهذه الطريقة يمهد لصفقة القرن بينما لو فعل كل ما هدد به لصارت صفقة القرن وصفة مضمونة لاستمرار الاضطرابات والحروب في الشرق الأوسط الذي فيه ما يكفيه وزيادة من بؤر النار وحاضنات الحروب.

قبل أن يفعلها ترامب لا بد أن يكون العرب والمسلمون قد وجدوا طريقة لفرملة هذا الرئيس، وإقناعه ببديهية أن إطفاء النار لا يكون بصب الزيت عليها.  

المحللون السياسيون يحارون في فهم هذا الرجل وغياب المنطق في ما يقول ويفعل، فما هي الفائدة المرتجاة من الاقدام على قرار كهذا، وكيف للرئيس ترامب ان يتوقع نجاحاً بهذه الطريقة الشاذة في التعاطي مع القضايا الحساسة ؟

ألا يدرك الرئيس ترامب مكانة القدس وقوة تأثيرها في نفوس وسلوك الملايين من البشر؟ ألم يقرأ ما أحدثه حرق المنبر في الأقصى على مستوى العالم كله ؟ ثم ألم يقرأ عن زيارة شارون للحرم القدسي وكيف أشعلت ناراً لم تنطفئ حتى الان؟

كان يمكن لخطوة كهذه أن تبدو منطقية لو أنها جاءت بعد حل القضية الفلسطينية، وتطبيق إرادة الإجماع الدولي على أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية.
إننا حتى الان نعالج الأمر على أنه مجرد فرضية قد تحدث أو لا تحدث، ومنذ بدأت التسريبات حول هذا الأمر تسنى للعرب والمسلمين وقتاً كافياً لإقناع الرئيس الأمريكي بالعدول عن الفكرة من أساسها، لا أن يستلها كسيف يهوي به بين وقت وآخر على رقبة الاعتدال وأصحابه ذلك أن قراراً كهذا لن يتوقف أثره عند الفلسطينيين كما يُظن، فالقدس الجغرافية هي الأضعف من بين مقومات القدس التاريخية والدينية والأخلاقية .
غداً أو بعد غد سنستبين الخيط الأبيض من الأسود، وفي هذه الفترة الوجيزة ينتابنا شعور ملتبس، هل سيصغي الرئيس الأمريكي لنصائح العقلاء من أهل بيته الأبيض وحلفائه في بلادنا، أم يركب رأسه ويمضي في هذا الاتجاه الخطر الذي سينتج عكس ما توقع حسنوا النية من صفقة القرن، وفي بلادنا التي لم تحظ يوماً واحداً بهدوء واستقرار فإن الدمار وحده ما ينتظر من قرار كهذا.