العاصمة اليمنية صنعاء (أرشيف)
العاصمة اليمنية صنعاء (أرشيف)
الخميس 7 ديسمبر 2017 / 20:09

اليمن السعيد عند الإيطالي رنزو مانزوني!

كتاب "اليمن رحلة إلى صنعاء" يُعد وثيقة تاريخية لسرديات اليمن من منظور انثروبولوجي إيطالي لم يتخلَ عن روحه الإيطالية الحميمة وهو يقوم بالسرد

نادرة هي الكتابات العربية القديمة التي تناولت تاريخ اليمن؛ فكتابا "التيجان في أخبار ملوك اليمن وحمير" و"أخبار عَبيد بن شَرية الجرهميّ" هما كتابان لهما طبيعة تاريخية أسطورية. في حين يأتي كتاب "الإكليل" للهمدانيّ بعد قرون عدة كي يقدم لنا أول كتابة تاريخية يمنية بكتابة يمني لم يعتمد فقط على الأخبار الشفوية وإنما أورد في كتابه مصادر كتابية من النقوش والكتابات اليمنية المغرقة في القدم المنتمية إلى حقبة ما قبل الإسلام مثل كتابات الزُّبر والمسند الحميري.

لقد كان اليمن في العصور الإسلامية يُمثل هامشًا منسيًا مقارنة بالمراكز الثقافية الكبرى في عواصم الدول العربية الإسلامية على اختلافها، ولذلك يكتسب تاريخها مقدارًا كبيرًا من الغموض الجاذب الذي اختلط فيه التاريخ المرجعي بالقدر الكبير من التاريخ الأسطوري المتخيّل.

في سبعينيات القرن التاسع عشر ارتحل الإيطالي رنزو مانزوني إلى صنعاء اليمن في ثلاث رحلات، ويأتي ارتحاله في سياق قرن أوروبي كان منشغلاً بكثافة بالتعرف إلى الآخر الشرقي/ العربي. ولا شكَّ في أن ثمَّة مؤثرات رومنطيقية لمتخيل الشرق وخاصة متخيله عن المرأة. لقد كان مانزوني متأثرُا بالواقعية الإنجليزية في الأرشفة والتوثيق، ولذلك كان كتابه عن صنعاء كتاب وصف انثروبولوجي في المقام الأول مزودًا بالرسومات والخطاطات العمرانية للبيت الصنعاني وللأحياء القديمة وبالتفصيلات والدقائق الصغيرة لذلك المجتمع خاصة تركيبته السكانية في تلك الفسيفساء من "القبيلي" والعربي والأتراك والبدو واليهود، الأمر الذي جعل من يقرأ رحلته يشعر بالفعل أن عقارب الزمن عادت به إلى تلك الحقبة القديمة، وكأنه يعيش في صنعاء القرن التاسع عشر الميلادي.

كان مانزوني حريصًا على أن يحوّل كتابه هذا إلى ذاكرة مؤرشفة دقيقة تٌعنى بتوثيق التفاصيل، ولذلك فإنَّ أسماء الأشخاص الذين قابلهم والمواقف التي واجهها موثقة بدقة. ومن الأمور الطريفة التي ذكرها "في البلاد الإسلامية يعتقدون أنَّ الأوروبي إذا كان يعرف القراءة والكتابة يعرف كل شيء، ولكن العربيَّ البسيط يعتقد أن كل شيء موجود في كتاب واحد إذا قرأه عرف عن كل الأمور. فمن أين جاءت تلك الفكرة وهذا المنظور المختزل للأمور هل من فكر مانزوني أم من حقيقة عايشها ووثقها؟!

اشتمل الكتاب على بعض الرسومات الخاصة بنساء يمنيات قام مانزوني برسمها، ومنهن امرأة يمنية اسمها قُميرة بن عمران، وهذا يسمح لنا باستقصاء تمثيلات المرأة اليمنية التي وثَّق مانزوني حضورها في سرديات رحلته، خاصة أن المتخيل الأوروبي الاستشراقي قد أسرف في صورة الحريم الشرقي رغم عدم واقعيتها وجنوحها صوب الأجواء الفانتازية!

إنَّ هذا الكتاب هو من سلسلة "رواد المشرق العربي" من إصدارات هيئة أبوظبي للثقافة يُعد بالفعل وثيقة تاريخية لسرديات اليمن من منظور انثروبولوجي إيطالي لم يتخلَ عن روحه الإيطالية الحميمة وهو يقوم بالسرد! ولاشكَّ أنَّ مقارنة رحلته برحَّالين أوروبيين زاروا اليمن مثل الإنكليزي وولتر هاريس والألماني هرمان بورخارت وغيرهما سيتقدم لنا مقاربة في غاية العمق نظرًا إلى اختلاف الرؤى عند كل واحد من هؤلاء الرحّالة الأوروبيين رغم وجود بعض التشابه بينهم.

 شكرا لسلسة "رواد المشرق" على هذه الإصدارات الرصينة التي تسمح للمتلقي العربي أن يتعرف إلى مصادر أخرى أرخت لمجتمعاته.