متظاهرون ضد القرار الأمريكي في القدس (أرشيف)
متظاهرون ضد القرار الأمريكي في القدس (أرشيف)
الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 / 11:26

الخسائر الاستراتيجية للإدارة الأمريكية وإسرائيل

السفير محمد حجاز- الأهرام

القرار الأمريكي بنقل سفارتها للقدس، قرار جائر ومناف للقانون الدولي، ويقوض أسس عملية السلام، ويؤجج المشاعر، ومستنكر وغير مبرر ومرفوض، هكذا وصف المجتمع الدولي قرار الرئيس الأمريكي، وعليه تنطبق كل تلك الصفات على صاحب هذا القرار الخطير.

ولم تمر أيام قليلة حتى بدأ ما يمكن أن نسميه بالخسائر الاستراتيجية المتوالية على الولايات المتحدة وعلى إسرائيل، على من أصدر القرار ومن حرض دوماً عليه.

عاد القرار الجائر في أول المكاسب للقضية الفلسطينية والخسارة الاستراتيجية لإسرائيل وحليفها ترامب وإدارته، ليعيد قضية فلسطين لصدارة المشهد الإقليمي والدولي، فبعد سنوات من الحروب والنزاعات بالمنطقة من سوريا إلى العراق إلى ليبيا واليمن، ومع تفشي الإرهاب على مساحة خريطة المنطقة، وما روج له البعض بأن القضية الفلسطينية توارت ولم يعد لها نفس المكانة المركزية كما كانت على الدوام وغطت عليها صراعات قائمة، عادت فلسطين محور الارتكاز وفي القلب منها القدس الشريف.

الخسارة الاستراتيجية الثانية هو تعميق هوة انعدام الثقة، وابتعاد أوروبا عن الولايات المتحدة لسياسات ترامب المتهورة، المنحصرة حسب سياساته في سياسة أمريكا أولاً، معادياً حتى لمصالح شركائه متهماً إياهم بالثراء على حساب بلاده، ومتهما أوروبا وأعضاء الناتو بعدم تحمل مسؤولياتهم، ويصر على ابتزازهم مادياً، ووجه له وزير الخارجية الألماني منذ أيام قليلة في خطبة علنية، أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً في تحمل مسؤولياتها الدولية، ومن الخسائر التي تتحملها الآن إسرائيل هي تلك الانتفاضة المقدسية وامتدادها لكل المدن، لتعود المواجهة مع قوات الاحتلال لتعري وجوده وممارساته اللاإنسانية، وتعرض من جديد لمشاهد عنفه وجرائمه، فيعود الاحتلال الإسرائيلي بوجهه القبيح ليتصدر نشرات الأخبار فتدين المشاهد على الأرض كل يوم جريمة الاحتلال، والخسارة التالية مرتبطة بعدم تقدير الرئيس ترامب تبعات قراره جيداً فعرض أمن الولايات المتحدة القومي للخطر والتهديد، بل وأمن إسرائيل ذاتها فكان كل رئيس سبقه يرجئ القرار وعلى مدار 17 عاماً وكل 6 أشهر بخطاب للكونغرس يطلب إرجاء تعهد وتكليف نقل السفارة للقدس لأسباب تتعلق بالحفاظ على الأمن القومي الأمريكي.

الخسارة الاستراتيجية التالية ستكون حتماً فقدان الولايات المتحدة لمركزية دورها في إدارة عملية السلام، هذا الدور الذي أعطاهاً على الدوام تأثيراً طاغياً على دول المنطقة وقادتها، وفي الساحة الدولية والمنظمات، وكانت واشنطن مقصداً سنوياً لكل زعماء المنطقة، وبقرارها المتهور سيتعرض هذا الدور لهزة كبيرة بل قد يجردها العالم من ميزة كونها وسيط السلام بعد أن أثبتت انحيازاً غير مسبوق إلى إسرائيل.

التلاقي العربي هو أحد مكاسب هذه المرحلة وحتماً هو من بين خسائر إسرائيل، وربما الولايات المتحدة، فمنذ فترة طويلة لم يتفق الموقف العربي على انتقاد الولايات المتحدة ورئيسها، وإسرائيل ورئيس وزرائها المحرض الرئيسي على هذا النحو، والخطر والصفعة الأكبر أن تنشأ ديناميكيات للحركة الإقليمية المضادة للموقفين الأمريكي والإسرائيلي، تسعى لتحقيق تهدئه مع جيران المنطقة خاصة تركيا وإيران، في ظل ما تمثله القدس من رباط جامع لكل ما هو عربي وإسلامي، فقد تنشأ آليات للتواصل تفتح بابا للحوار والمكاشفة، لإعلاء سياسة حسن الجوار، ويحرم من يخطط لمواجهة شاملة بالمنطقة تخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ولعل لجاناً من الحكماء تتشكل فينشأ قدر من التفاهم الإقليمي على بدء عملية لرأب الصدع تمتنع فيه تلك الجارتان المتوغلتان على الأمن القومي العربي ليمتنعا عن ذلك، ويكون ذلك أبلغ الردود والصفعة الأقسى والأكثر إيلاماً لمن ضمر شراً بفلسطين والأقصى.

من بين خسائر قرار القدس على أصحابه أنها فتحت الباب لبحث تأسيس مرجعية جديدة لعملية السلام، بعيداً عن الولايات المتحدة، وتفتح الطريق أمام آليات دولية مستجدة، ودخول عناصر وإرادات جديدة، ستغير طبيعة التأثير والدور الأمريكي ومداه، مع التباعد الإقليمي والدولي عن دور غير مسؤول وضيق الأفق ومتهور للولايات المتحدة.

ختاماً زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القاهرة، هي مؤشر يجب تسجيله في حساب الخسائر الاستراتيجية، فالدور الروسي يتعاظم في المنطقة، رغم أن الزيارة ثنائية ومتفق عليها إلا أن توقيتها لا يمكن فصله عن الأحداث، وعندما يحل الدب الروسي ضيفاً على المنطقة وفي القاهرة، فالرسالة ستسمع في عواصم عدة، وعلى واشنطن إعادة تقييم حساباتها وإدراك الموقف والتراجع عنه قبل أن يفوتها قطار الشرق الأوسط.