تونسيات يتظاهرن في تونس العاصمة.(أرشيف)
تونسيات يتظاهرن في تونس العاصمة.(أرشيف)
الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 / 13:20

تونس.. قصة نجاح قوة ناعمة أمريكية

عندما زار الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزينهاور تونس في 17 ديسمبر ( كانون الأول) 1959، سأل الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة كيف يمكن للولايات المتحدة أن تدعم بلده. حينها لم يطلب بورقيبة الذي كان مصمماً على بناء دولته المعاصرة بصورة مختلفة عن بقية العالم العربي، دعماً عسكرياً من آيزينهاور، بل توفير التعليم والمسكن والغذاء لشعبه.

حان الوقت لكي يدعم العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، الديمقراطية التونسية الوليدة، ولمساعدة التونسيين على تعزيز مكاسب ثورتهم وتحقيق الاستقرار لبلدهم

ورأى صفوان مصري، كاتب رأي لدى موقع "ذا هيل"، أن صناع السياسة في واشنطن، مطالبون بتذكر ذلك الحوار، خاصة وهم يسعون للتوصل لاتفاق مع البيت الأبيض حول بنود الانفاق في ميزانية عام 2018.

موافقة
واستجابت أمريكا لطلب بورقيبة. وبحلول نهاية الستينات، تحقق سدس النمو الاقتصادي التونسي عبر دعم قدمته الولايات المتحدة. وخلال تلك الفترة، التزمت تونس تحالفات مع أمريكا وقوى غربية أخرى، رغم أنها وجدت نفسها على خلاف مع العالم العربي، بما فيه اقتراح بورقيبة إيجاد حل مرحلي للقضية الفلسطينية، وأيد في عام 1965 اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

تنمية
وبحسب مصري، بدأت تونس في تلك المرحلة بفصل نفسها عن باقي الدول العربية في مجال هام آخر. فبعد الاستقلال عن الفرنسيين سنة 1956، خصصت تونس ثلث ميزانيتها للتعليم وتنمية الشباب. وقد اعتمد النظام التعليمي في تونس على تدريس قيم أمريكية كالتعددية والانفتاح. ورأى بورقيبة في التعليم وسيلة لمحاربة من عارضوا برامجه لتحديث البلاد، ولمنح المرأة حقوقها وللحد من دور الدين في المجتمع.

وقد ساعد المنهج التعليمي الثنائي اللغة على تطوير الفكر النقدي والمهارات الذهنية لدى التونسيين. وفيما كانت قوة الدين والخطاب الإقصائي يسودان في باقي أرجاء المنطقة، كانت قوة التعليم تسود في تونس.

استثمار في التعليم
وقد أثمر الاستثمار في التعليم عندما ثار التونسيون ضد الرئيس زين العابدين بن علي وخلعوه في عام 2011، وعندما نجحوا في لجم الربيع العربي، والدخول في مرحلة انتقال سلمي وتحقيق ديموقراطية فاعلة.

وبرأي الكاتب، تشهد تجربة عمرها أكثر من خمسين عاماً على أهمية التعليم وسواه من عناصر القوى الناعمة في تقدم أي مجتمع. لكن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هددت ذلك الإنجاز باقتراحها خفض المساعدة المالية المقدمة إلى تونس من 177 مليون دولار في عام 2017، إلى أقل من 55 مليون للعام المقبل.
 
اعتمادات معلقة
لكن، بحسب الكاتب، رفضت لجان الاعتمادات في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، اقتراح البيت الأبيض، وطالبت بتخصيص ما لا يقل عن 165 مليون دولار لدعم تونس. وفيما يشير ذلك لوجود حلفاء أقوياء لتونس في واشنطن، فإن الاعتمادات الجديدة ما زالت معلقة، لحين التوصل لاتفاق بين المشرعين الأمريكيين وإدارة ترامب بشأن فواتير الإنفاق لعام 2018.

انتقال هش
ويقول مصري إن انتقال تونس إلى الديمقراطية ما زال هشاً، وخاصة في ظل مواصلة التصدي لارتفاع معدل البطالة وركود النمو وارتفاع الدين، وظهور مؤشرات فساد. كما مرر البرلمان التونسي مؤخراً قانوناً يمنح العفو لمسؤولين فاسدين في نظام بن علي السابق، بالتزامن مع أطروحات مقلقة بشأن عودتهم إلى الساحة السياسية.

لذلك، يقول الكاتب: "حان الوقت لكي يدعم العالم، وبخاصة الولايات المتحدة، الديمقراطية التونسية الوليدة، ولمساعدة التونسيين على تعزيز مكاسب ثورتهم وتحقيق الاستقرار لبلدهم".

حكم المؤسسات
ويرى مصري أنه بواسطة دعم كهذا، هناك ما يدعو للاعتقاد أن حكم القانون والمؤسسات الديمقراطية سيسود في تونس، وخاصة بعدما تبنت البلاد نهجاً تقدمياً، ودستوراً مدنياً، وأجرت انتخابات نزيهة جاءت بأول رئيس لتونس عبر وسائل ديمقراطية.

ويجدد الكاتب دعوته صناع السياسة في واشنطن لتذكر كيف وضع الرئيسان آيزينهاور وبورقيبة تونس على المسار الصحيح، وتذكر تلك الحقيقة قبل أن يوافقوا على خفض المساعدات الأمريكية لبلده، ما سيكون، برأيه، بمثابة خطأ مكلف.