منظر طبيعي في سويسرا.(أرشيف)
منظر طبيعي في سويسرا.(أرشيف)
الثلاثاء 12 ديسمبر 2017 / 20:25

وشوشات ديسمبر 17

أفخرُ أن مهنتي الكتابة. وأفخرُ أنني أحاربُ العنفَ والعداءَ والظلمَ والقسوة بسلاحي. لا أحملُ سيفًا ولا خِنجرًا ولا سَوطًا. ولا رصاصةٌ في جيبي، ولا في سلّتي حصى

في سويسرا الغارقة في أخضرها وأحمرها وبَنفسجِها وثمرها وشذاها، حيثُ يدور الطريقُ بحنان حول شجرة ليحتضنَها لكيلا يذبحَها ذابحو الشجر قاتلو الأخضر، وحيثُ يتماكرُ النُّفقُ ويلتفُّ حول شُجيرة وليدة حتى لا يغتالَها مِعولٌ شرس، وحيث تنبتُ البراعمُ من أسافل البيوت فيُحتفَلُ بميلادها، وحيث ليس من حقّك أن تكسر شجرةً في حديقة بيتك الخاصة، تُعوِّق جدارًا، وإلا تعرضت للحبس، وقفتُ في عرض الطريق وهتفت: “أيُّ بلاد هذه! أيُّ فطرةٍ وبكارة، وجمال، وأيُّ إيمانٍ وقربًا من الله أيضا!” تلك بلادٌ اختارَت أن تظلَّ أبدًا على طبيعيتها الأولى رغم التحضر والتقدم الصناعي والعلمي والتكنولوجي. أعربتُ عن دهشتي من الخضرة التي تُغرِقُ كلَد شيء فاندهشوا من دهشتي! كأنهم لا يعرفون أن بلدانًا وشعوبًا سقطت في الصحاري والجدب. فإن منَّتِ السماءُ عليهم بشجرةٍ …. ذبحوها!

سألتني حبّةُ قمحٍ: في أيّ حقيبة من حقائبك تحملين الوطن؟
أجبتُ: لا أحملُ وطني في أية حقيبة، بل في قلبي. أجولُ به أينما جُلتُ وما شاء لي التجوال، ومتى هدّني التعبُ؛ أُخرجه من صدري وأبسطه أمام عيني فوق المدى الواسع كما سجادة فارسية وثيرة، ثم أنامُ عليه لا ألتحفُ سوى النجوم. والسماء تحرسُ أبناءها متى ناموا وحيثما أغمضوا عيونَهم.
جرِّبوا أن تطردوا من عيونكم الشررَ وتستبدلوا به شيئًا من الحُنوّ والرحمة والعطف الذي يحمله اللهُ لكل مخلوقاته. فقط جرّبوا!
ننادي بالرحمة والتحضر مع مخلوقات الله فتدعوننا: كفارًا!! وما الكفرُ إلا القسوة والفظاظة التي تملأ القلوب.

أنت تحبُّّ، إذن أنت إنسان. أحببْ حبيبتك، أحبب أخاك، أحبب جارَك، أحبب عدوَّك، أحبب الحيوانَ والطير والشجر. أحببِ الكونَ، فتكون بهذا مُحبًّا لله.

الحبُّ طاردٌ للبغض، مثلما الجمالُ طاردٌ للقبح، مثلما النورُ طاردٌ للعتمة.
لا يسرقُ حريةَ الأحرار إلا عديمو الحرية؟ ولا يرتعد من رأي إنسان إلا عديمو الرأي.
في لحظات إحباطكم لا تهربوا إلى النوم أو الطعام، بل الجؤوا إلى الله، فعنده وحده مفاتيحُ شفائنا.

ثمة درجاتٌ من الجمال تصيبُ المرءَ بالاختناق. أُسميها "اسفكسيا الجمال"، وهذا اختراعي الخاص. فالدرجات العليا من الجمال قد تتأبّى على الاحتواء ضمن الذائقة البشرية المطمئنة. أجلَى الأمثلة التي يستهويني تأملُها دومًا هي النار. ليس أجملَ من شكل اللهب في تراقصه وتبدّل ألوانه وفيوضه بين الأحمر والبرتقالي والأرجواني والأزرق. لذلك ابتكر الإنسانُ الشمعةَ ليحصِّلَ مشاهدةَ النار التي تُغذي فيه منازع الجمال والرومانتيكية. النار في بهائها اللانهائي هذه لا نستطيع لمسها. ليس لأنها حارقة، لكن لأن درجة جمالها تفوق قدرة المرء على التحمّل. كيف بوسعنا أن نستوعب أن هذه الشمعة تتوسط حبيبين يتناجيان في مكان ما، هي ذاتها تجعل طفلا في مكان آخر يصرخُ وجعًا بعدما التهمت جسده!

لا تُعِرْ عقلَك لُمضِّلل يعبِثُ به، ولا تستَعِرْ عقلَ مُضلّلٍ ليفكرَ لكَ. بل إقرأ وثَقفْ نفسَك، وكُنْ عقلَ نفسِك.
أفخرُ أن مهنتي الكتابة. وأفخرُ أنني أحاربُ العنفَ والعداءَ والظلمَ والقسوة بسلاحي. لا أحملُ سيفًا ولا خِنجرًا ولا سَوطًا. ولا رصاصةٌ في جيبي، ولا في سلّتي حصى. سلاحي أخطرُ من كلِّ ما سبق. سلاحي هو قلمي الذي أكتبُ به كلًّ نهارٍ في مُدونتي عبارةً تتشكّل الآن بين أصابعي: اللهُ يحبُّ السلامَ، وجدّي المصري القديم قال: "كن كاتبًا تمشِ في الطرقاتِ حُرًّا"، وأنتم تسجنوننا.