عرب إسرائيليون يتظاهرون ضد التجنيد الإجباري.(أرشيف)
عرب إسرائيليون يتظاهرون ضد التجنيد الإجباري.(أرشيف)
الأربعاء 13 ديسمبر 2017 / 20:16

تحذيرات إيالون

الأقلّيّة العربيّة الكبرى التي أبدت الكثير من علامات الاندماج، تستحيل مطالبتها بنسيان روابطها العاطفيّة والثقافيّة مع باقي الفلسطينيّين، كما تستحيل مطالبتها بأن لا تستجيب اعتراضاً على القهر والإذلال اللذين يتعرّض لهما أولئك الفلسطينيّون

يكتب عامي إيالون في صحيفة "الفيغارو" الفرنسيّة أنّ إسرائيل تقيم اليوم "على فوهة بركان". وإيالون، بوصفه مدير الاستخبارات الداخليّة السابق، يعرف عمّاذا يتحدّث وممّاذا يحذّر. فهو يرشّح بلاده لاحتمالين يتنافسان في سوء المردود عليها: إمّا أن تصبح مثل سوريّا، حيث القمع والقتل والقصف طريقة حياة يوميّة للسكّان، وإمّا أن تغدو نظاماً معلناً للتمييز العنصريّ على النحو الذي كانته سابقاً دولة جنوب إفريقيا.

وما يقوله إيالون بات يقوله آخرون ليسوا بالضرورة مناهضين للصهيونيّة أو لوجود إسرائيل، ومن البديهيّ أنّ تهمة معاداة الساميّة لا تنطبق عليهم. بل إنّ كثيرين من هؤلاء يتصرّفون انطلاقاً من مبدأ "إنقاذ إسرائيل من نفسها رغماً عنها".

صحيح أنّ الحقبة التي افتتحها فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتّحدة تعقّد هذه المهمّة. فالخطابيّة الترامبيّة، الارتجاليّة والقليلة التمعّن بالعواقب، مصحوبةً بالانكفاء الأمريكيّ عن إحداث تغييرات إيجابيّة في الشرق الأوسط، بل في العالم عموماً، يشجّعان العمى والصلف الإسرائيليّين ويغذّيانه.

كذلك يجد أنصار هذا التوجّه الصقريّ ما يُنعشهم في الحقيقة المؤلمة المستقاة من توازن القوى الصرف في المنطقة. فإذا ما نُظر إلى هذا الأخير بمعنييه العسكريّ والسياسيّ – المجتمعيّ، تأكّد أنّ الفلسطينيّين ليسوا قادرين على تحويل الانتكاسات الإسرائيليّة انتصارات لهم: لا الأوضاع الحربيّة تتيح ذلك، ولا الانقسام الفلسطينيّ ما بين سلطتي الضفّة الغربيّة وغزّة، أمّا الانشغال العربيّ بعدد لا يُحصى من المشاكل والنزاعات فلا يترك حيّزاً كبيراً للاهتمام بالموضوع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ.

مع ذلك، فإن المصلحة الإسرائيليّة – على الأقلّ – توجب على الإسرائيليّين التفكير بطريقة أخرى. فالمخاطر الكبرى التي حذّر منها إيالون وسواه لا يمكن تجنّبها من دون العثور على حلّ للمشكلة الفلسطينيّة، حلّ يتأدّى عنه إنشاء دولة فلسطينيّة إلى جانب إسرائيل.

والحال أنّ السنوات القليلة الماضية التي شهدت ذروة انشغال العرب بالأوضاع الداخليّة لبلدانهم كانت كفيلة، من حيث المبدأ، بتطوير تسوية الدولتين، إن لم يكن تنفيذها. إلاّ أنّ هذا لم يحصل لأسباب شتّى في عدادها تراجع الوعي العقلانيّ بالمصلحة الذاتيّة لإسرائيل نفسها أمام وعي يمينيّ متشدّد يمنح الأولويّة لرغبات المستوطنين ونوازع التوسّع.

والحقّ أنّ النهج الراهن الذي تستقرّ عليه الحكومة الإسرائيليّة، بتشجيع واضح من الولايات المتّحدة، قد تتعدّى آثاره الصدامات المتفرّقة مع شبّان الضفّة الغربيّة، وربّما الحروب الخاطفة والسريعة مع غزّة، إلى داخل إسرائيل ذاتها. فالأقلّيّة العربيّة الكبرى التي أبدت الكثير من علامات الاندماج، تستحيل مطالبتها بنسيان روابطها العاطفيّة والثقافيّة مع باقي الفلسطينيّين، كما تستحيل مطالبتها بأن لا تستجيب اعتراضاً على القهر والإذلال اللذين يتعرّض لهما أولئك الفلسطينيّون. وهذا ما قد يفتح الباب لتصدّع بالغ العمق والداخليّة في النسيج الإسرائيليّ، خصوصاً حين يُترك أمر التعاطي معه لسياسيّين كبنيامين نتانياهو وبعض كبار وزرائه.

إنّ سيناريو كهذا هو تحديداً ما تشتهيه العناصر الأكثر تطرّفاً، لا بين الفلسطينيّين فحسب، بل أيضاً في العالم العربيّ وعموم الشرق الأوسط.

وهذا ما سيُلحق الكثير من الأذى باستراتيجيّة التصدّي للتوسّع الإيرانيّ العابر للحدود، والذي قزّم ويقزّم التوسّع الإسرائيليّ. فإذا كانت تلّ أبيب جادّة في مخاوفها المعلنة من السياسات الإيرانيّة، كان عليها أن تسلك سلوكاً غير الذي تسلكه، هو الذي لا تستفيد منه إلاّ إيران.

واحتمالات بشعة وخطيرة كهذه إنّما تشجّع على اعتبار التحذيرات التي يطلقها عامي إيالون وسواه تحذيرات واقعيّة جدّاً.