القيادي في الإخوان المسلمين أحمد ابرهيم منير مصطفى.(أرشيف)
القيادي في الإخوان المسلمين أحمد ابرهيم منير مصطفى.(أرشيف)
الأحد 17 ديسمبر 2017 / 12:04

تاريخ من التقيّة والخداع والازدواجية.. هل يصبح منقذُ الإخوان مرشدَهم؟

شرح الكاتب في مجلّة الأهرام المصرية هاني غرابة الأساليب التي اعتمدها أمين عام التنظيم الإرهابي الدولي للإخوان المسلمين، أحمد ابراهيم منير مصطفى، والمعروف باسم ابراهيم منير، لإبقاء التنظيم على قيد الحياة. وفي مركز "إنفستيغايتف بروجيكت" الأمريكي الذي يعنى بدراسة التنظيمات المتطرفة، كتب غرابة أنّ منير، البريطانيّ من أصول مصريّة، هو من أبرز الأسماء المؤثرة في التنظيم خصوصاً بعد سجن العديد من قادته في مصر.

لولا استضافة بريطانيا للإخوان وإعطائهم اللجوء السياسي لقادتهم خلال العقود الستة الماضية، لكانوا خسروا الوصول إلى منصات الإعلام العالمية والأساليب الماليّة، ولكانوا قد انحلّوا اليوم

لفت غرابة النظر إلى وجود معضلة كبيرة على مستوى القيادة. فهنالك فتوى قديمة تمنع سجناء الحرب من قيادة مجموعاتهم، وبما أنّ المرشد العام للإخوان محمّد بديع المسجون حالياً لا يستطيع إدارة التنظيم، والقياديّ محمود عزت المختبئ على الأرجح في غزّة أعلن عدم رغبته بتولي المنصب، يثار تساؤل حول قدرة منير صاحب الثمانين عاماً على تولّي القيادة. ويكتب غرابة أنّ أعضاء وقادة من إخوان مصر يودّون استبدال منير بمرشد عام مستعدّ للحرب، بينما يفضل الأعضاء الأكثر شباباً من الذين تبعوا القيادي الإخواني السابق محمد كمال، مرشداً عاماً أكثر مكراً. حاولت القيادة الإخوانية طمس أخبار الخلافات، لكنّ الانقسامات والاستقالات هزّت التنظيم ضربت أي صورة وحدوية تطبعه.

التقية لم تنفعه دوماً.. السفارة الأمريكية فضحته!
أشار غرابة إلى أنّ من بين مهام منير، إدارة محتوى موقع الإخوان الإلكتروني باللغة الإنكليزية ومجلته الأسبوعية رسالة الإخوان. وكتب الباحث في شؤون التنظيمات المتطرفة أنّ ما يصدر عن موقع الإخوان بالإنكليزية "إخوان ويب" يكون أكثر اعتدالاً من ذاك الذي يكون موجهاً إلى الجمهور العربي. ويشرح أنّ منير يتّبع مبدأ التقية في عدد من القضايا التي يتحدث عنها داخل المملكة المتحدة، على الرغم من أنّ الشيعة هم من يعتمدونها في الأساس. فعلى سبيل المثال، حين اقتحمت مجموعة من الإسلاميين بقيادة الإخوان السفارة الأمريكية في مصر غضباً من أحد الأفلام المسيئة للإسلام، دعا هؤلاء باللغة العربية إلى تنظيم مسيرة مليونية ضدّ السفارة. بينما نقلت تغريدة ل "إخوان ويب" الناطق باللغة الإنكليزية، بياناً لنائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر يبدي فيها ارتياحه لعدم إصابة أي من موظفي السفارة بأذى. فردّت السفارة الأمريكية في مصر بتغريدة متهكّمة جاء فيها:
"شكراً، بالمناسبة، هل تفحّصتم أخباركم (باللغة) العربية؟ آمل أن تعلموا بأنّنا نقرأها أيضاً".

علاقة وطيدة مع النظام الإيراني
وكتب غرابة عن العلاقة الطويلة التي امتدت لعقود بين الإخوان وإيران، خصوصاً أنّ قادة كثراً من التنظيم كانوا يزورون إيران كضيوف لدى نظامها. وحصل أول لقاء بين البنّا والخميني سنة 1945، أي قبل الثورة في إيران بحوالي ثلاثة عقود. أكثر من ذلك، كان محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الوحيد بعد الثورة الذي يزور مصر، وقد اختار فعل ذلك حين وصل الإخوان إلى السلطة بقيادة أحمد مرسي. وحافظ منير، إلى جانب قيادات إخوانيّة أخرى على روابط قوية مع الزعماء الإيرانيين. وخلال مؤتمر حول الإسلاموفوبيا في يوليو (تموز) الماضي، التقى منير ضمن وفد إخواني بالممثل الخاص للمرشد الإيراني محسن أراكي.

وفيّ لسيد قطب ومشيدٌ به
في ستينات القرن الماضي، كان منير جزءاً من مجموعة إرهابية قادها منظّر الإخوان سيد قطب، وحُكم عليه حينها بالسجن لعشر سنوات. وبقي منير وفياً لقطب الذي دافع عن الجهاد العنفيّ والإطاحة بما سمّاها الأنظمة "المرتدّة"، بحيث وصفه في بحث مطوّل ب "معلّم إنساني". ومثل العديد من الإسلاميين في العقود الخمسة الماضية، تقدم منير بطلب اللجوء السياسي في المملكة المتحدة ذاكراً الاضطهاد السياسي في مصر كحجّة لذلك. ومن ملاذه الآمن في لندن أنشأ التنظيم الإرهابي الدولي للإخوان سنة 1982 برفقة كمال الهلباوي القيادي السابق في التنظيم الذي انشقّ عنه لاحقاً. وبنت المنظمة شبكة امتدّت على نطاق عالمي مستخدمة لندن كمركز سياسي وتمويلي. كذلك، مدّ منير شبكة علاقات مع الحكومة البريطانية بفضل مهاراته الديبلوماسية.

هدّد بريطانيا بطريقة غير مباشرة
لقد كان منير أساسياً في إبعاد شبح الحظر البريطاني عن الإخوان سنة 2014 بعدما أمر رئيس الوزراء البريطاني حينها دايفد كاميرون بإجراء تحقيقات في نشاط الإخوان داخل مصر وبريطانيا. حينها أصدر منير تهديداً غير مباشر بأنّ الإرهاب سينتشر أكثر إذا تمّ تنفيذ الحظر، على قاعدة أنّ العديد من المسلمين سيظنّون أنّ "القيم السلمية للإخوان ... لم تنجح وأنهم مصنّفون الآن كمجموعة إرهابية، الأمر الذي سيترك الأبواب مشرّعة أمام كل الاحتمالات". وحين سئل منير عمّا إذا كان ذلك قد يشمل العنف، ردّ قائلاً: "أي احتمال". وساعد في تجنيب الإخوان التصنيف على لائحة الإرهاب من خلال ممارسة ضغط في لجنة الشؤون الخارجية البريطانية التي ترأسها النائب كريسبن بلانت، لنشر تقرير مضاد للإدانة الواضحة لنشاطات الإخوان في بريطانيا والصادرة عن تقرير للسير جون جينكنز سنة 2014.

كالعادة.. اختلاف المضمون مع اختلاف اللغة
ويضيف غرابة أنّ تقرير جنكنز أشار إلى أنّ الخطاب العام للإخوان في الغرب شدّد على أهمية الانخراط والتواصل لا العنف. لكن كانت هنالك اختلافات هامة بين اللغتين العربية والإنكليزية اللتين استخدمهما الإخوان، بحسب ما جاء في التقرير الذي لفت النظر أيضاً إلى أنّ "جوانب من أيديولوجيا وتكتيكات الإخوان، في هذه الدولة وفي الخارج، هي مناقضة لقيمنا وكانت مناقضة لمصالحنا القومية وأمننا القومي". ودافع منير أيضاً عن حركة حماس في مقابلة مع شبكة أن بي سي.

خداع وتقية وسذاجة بريطانية
يؤكد غرابة أنه لولا استضافة بريطانيا للإخوان وإعطائهم اللجوء السياسي لقادتهم خلال العقود الستة الماضية، لكانوا خسروا الوصول إلى منصات الإعلام العالمية والأساليب الماليّة، ولكانوا قد انحلّوا اليوم. تمكّن منير وأعوانه من إبقاء الإخوان على قيد الحياة من خلال قاعدته الدولية التي ساعدتها منظمات خيرية إسلامية شكلت واجهات موّلت عدداً من الوسائل الإعلامية. وكانت من بينها قناة تلفزيونية بثّت أخبارها من تركيا بعد يونيو (حزيران) 2013 محوّلة منصتها لإثارة العنف والتحريض في مصر. لقد تمكّن الإخوان من إقناع السلطات البريطانية بما يسمونه طبيعتهم السلمية من خلال الخداع والتقية من التلاعب بسذاجة الساسة البريطانيين لحماية عملياتهم هناك. ويكتب غرابة أنّ ابراهيم منير قد لا يكون اسماً بارزاً لكنّه يبقى منقذ الإخوان في الأوقات الصعبة.