تظاهرة في غزة احتجاجاً على قرار الرئيس الأمريكي حول القدس (أرشيف)
تظاهرة في غزة احتجاجاً على قرار الرئيس الأمريكي حول القدس (أرشيف)
الإثنين 18 ديسمبر 2017 / 20:20

صدمونا فصدمناهم

شكل إعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل صدمة للفلسطينيين والعرب، سواء من العارفين بطبيعة السياسة الأمريكية، أوالمناوئين لها، أو المخدوعين بالخطاب الأمريكي والمعجبين به.

قد يسخر البعض من الرهان على الشارع وعلى قدرته في إحداث التغيير وتحريك الراكد السياسي البائس، لكن وقائع الأسبوعين الماضيين أثبتت هذه القدرة واستطاعت بالفعل أن تدفع في اتجاه اتخاذ مواقف معلنة في مواجهة المشروع الأمريكي المعادي

لكن هذه الصدمة ولدت صدمة أقوى وأعنف للولايات المتحدة وإسرائيل، حين اشتعل الشارع الفلسطيني والشارع العربي بالغضب والرفض ليس للقرار المشؤوم بشأن القدس فقط، ولكن لمجمل السياسية الأمريكية في المنطقة.

قد يسخر البعض من الرهان على الشارع وعلى قدرته في إحداث التغيير وتحريك الراكد السياسي البائس، لكن وقائع الأسبوعين الماضيين أثبتت هذه القدرة واستطاعت بالفعل أن تدفع في اتجاه اتخاذ مواقف معلنة في مواجهة المشروع الأمريكي المعادي، كما أثبتت تجاوز الفلسطينيين ليس لنظامهم الرسمي فقط ولكن لفصائلهم التي لم يغفروا لها تأخرها في الرد الفوري على القرار الأمريكي، فتجاوزوها وسبقوها إلى نقاط الاشتباك والمواجهة.

ولعل من الإنصاف الاعتراف أنه لولا الهبة الشعبية الفلسطينية ولولا الحراك الشعبي في المحيط العربي وفي العالم، لما اجتمع وزراء الخارجية والبرلمانيون العرب ولا التأمت القمة الإسلامية.

وهذا في حد ذاته إنجاز يسجل للمنتفضين وللرافضين للإعلان المشؤوم.

في المقابل ارتبك الموقف الأمريكي بعض الوقت، ثم التقط أنفاسه الكريهة مرة أخرى ليدعو إلى ضم حائط البراق لإسرائيل، وظهر الارتباك أيضا في هذا الموقف الملتبس لأن حائط البراق في المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى في القدس، ومن يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل فإنه يعتبر الحائط المذكور جزءاً من هذا الادعاء. أو هكذا يقول المنطق المجرد.

يبدو الظرف مناسباً أيضاً لترسيخ الصدمة في المعسكر الأمريكي – الإسرائيلي، بتصعيد الهبة الشعبية الفلسطينية تدريجياً إلى مستوى الانتفاضة، وتمسك منظمة التحرير وتعبيرها السلطوي في الضفة بقطع الاتصالات مع واشنطن، ورفض التعاطي مع أي أفكار أمريكية للتسوية سواء جاءت في سياق ما يقال عن صفقة قرن أو أي صيغة أخرى.

وربما كان هذا الموقف هو الأقوى في مركز صناعة القرار الفلسطيني حالياً.

كما نلمح بوادر خطوات أخرى منها الإعلان عن وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، والتوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الأممية، والعمل مع الأمم المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي من أجل إنهاء التفرد الأمريكي بعملية التسوية، واعتبار الولايات المتحدة طرفاً في الصراع، وهو الواقع الذي تجاهلته المواقف الرسمية الفلسطينية عقوداً طويلة ومرة.

كان ناجحاً أسلوب الرد على الصدمة بصدمة معاكسة، ولعل تجربة الأسبوعين الماضيين أثبتت للقيادة الفلسطينية جدوى الرهان على الشارع الفلسطيني وعلى الحراك الشعبي العربي في مواجهة الاستهدافات والضغوط التي تتعرض لها هذه القيادة.

وربما يكون مفيداً الاتكاء على هذا الحراك في الجهد المبذول ليس فقط في مواجهة القرار الأمريكي، بل في تطوير الموقف الفلسطيني وإعادة فلسطين إلى صدارة الاهتمام الإقليمي والدولي مثلما كانت في مرحلة ما قبل أوسلو، وما قبل أمركة ملف الصراع والتسوية.

سيجيء نائب ترامب إلى المنطقة، وسيلتقي مع أصدقائه الحميمين في إسرائيل، وسيزور القدس أيضا بحماية أمنية إسرائيلية غير مسبوقة، لكنه لن يجد فلسطينياً واحداً مستعداً للقائه أو الحوار معه في أي أفكار مريضة يحملها في هذه الزيارة.

قد يبدو ذلك ذهاباً إلى المجهول وخطوة متسرعة للقيادة الفلسطينية، لكنها خطوة تمثل الحد الأدنى في موقف الشارع الفلسطيني الذي استوعب درس أوسلو وكل دروس الوهم التسووي الأمريكي.

وإذا كان هناك من يقول إن هذا الموقف لن ينجز شيئاً ولن يؤدي إلى نتيجة، فإن الحقيقة الماثلة الآن أن هذا الموقف أنجز هدفاً صادماً لواشنطن تمثل في إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي.. وهو جزء من الصدمة الإيجابية.