عهد التميمي تتحدى جندية إسرائيلية (أرشيف)
عهد التميمي تتحدى جندية إسرائيلية (أرشيف)
الخميس 21 ديسمبر 2017 / 19:52

جبهة مقاومة تشمل العالم

لا يمكن اختصار قرار الادارة الأمريكية بـ"الاعتراف" بالقدس كعاصمة لـ"اسرائيل"، برغبة الرئيس الأميركي "ترامب" الايفاء بوعده الانتخابي، أو بالعودة الى القاعدة التقليدية حول نفوذ "اللوبي اليهودي" على صانع القرار في البيت الأبيض.

ها هي القضية الفلسطينية الواجهة من جديد، وها هو مركز الحدث ينتقل الى شوارع القدس ومدن وبلدات ومخيمات فلسطين. وها هي صور الفلسطينيات والفلسطينيين وهم يواجهون جنود الاحتلال والمستعمرين تعود الى موجات البث وتغطي شاشات العالم

اذ ستبقى القراءة ناقصة ومستهلكة ومجزوءة وأقرب الى الاعادات، عندما لا تضع في مركز اهتمامها الخلفية الأيديولوجية الدينية، التي دفعت بهذا الفريق إلى البيت الأبيض، ودون متابعة الاجراءات التي تلت الإعلان عن القرار، تحديداً في الخطوط العريضة الواضحة التي ارتكزت عليها "استراتيجية الأمن القومي" كما تراها إدارة "ترامب".

الوثيقة التي جاءت في أكثر من ستين صفحة، اعتبرت أن "تهديد السلام العالمي" والأمن القومي الأمريكي يكمن في ايران والحركات "الجهادية الإسلامية" على وجه الخصوص، وتجاهلت الصراع العربي الإسرائيلي، عاملاً رئيسياً في هذا التهديد.

التقرير يخرج الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والسياسات العدوانية لحكومات هذه الدولة، والتاريخ الطويل من العنصرية والتحريض الديني وانعكاساته كبيئة حاضنة ل"العنف" وصانعة له في نفس الوقت، من قائمة مصادر التهديد، بحيث يبدو الاحتلال الاسرائيلي بمكوناته العنصرية كجزء طبيعي من المنطقة، بينما يتحول "الإسلام" إلى "حاضنة" العنف والمصدر الرئيس لـ"التهديد" الذي "يجب" مواجهته! في تجاهل واضح إلى أن فكرة "الجهادية الاسلامية" هي اقتراح أمريكي بامتياز.

في الجانب الآخر، وفي استدعاء واضح لأجواء الحرب الباردة، يضع التقرير القطبين الصاعدين، روسيا والصين، في قائمة التهديد للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما رفضته الدولتان مباشرة عبر تصريحات رسمية، اذ اعتبرته وزارة الخارجية الصينية "تشويها متعمداً لنوايا الصين" وأنه "يعكس ذهنية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، فيما اعتبره الكرملين "استبدادياً" ويكشف عن "شخصية امبريالية" ترفض عالماً متعدد الأقطاب.

"الحرب الباردة"، هي بالضبط ما يستدعيه وما يحتاجه "ترامب" وفريقه، "هناك" يمكن بناء ورشة لصناعة الأعداء والتهديدات، وخلق بيئة شعبية أمريكية تتلاءم مع شعارهم الشعبوي "أمريكا أولاً"، ويجعل من الرجل وفريقه وعائلته "حماة الولايات المتحدة"، الحرب الباردة التي تستدعي، أيضاً، تحالفاتها وأدواتها حيث يمكن لـ"اسرائيل" أن تعيد صياغة دورها في المنطقة كحليف موثوق لأمريكا.

قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو الجزء الذي يخصنا من عدوانية إدارة ترامب تجاه العالم، عدوانية تشمل التاريخ السياسي الحديث في أميركا نفسها، شيء يذكر بـ "الحركات التصحيحية" التي تخفت وراءها ديكتاتوريات المنطقة لدينا، عدوانية تجاه "مناخ الأرض"، وثقافة البشرية، وأعراف السلوك والأخلاق والخطاب، وحقوق الشعوب وكرامتها، هذه العدوانية التي ظهرت بقوة في خطاب رئيس القوة الأعظم في العالم في الأمم المتحدة، حين هدد بوضوح بإبادة كوريا الشمالية، التي تضم الى جانب رئيسها الاشكالي ما يقارب الثلاثين مليون، ويمكن تتبع افتقادها للأخلاقيات الإنسانية من خلال قراءة سريعة لرسالة التهديد التي وزعتها "نيكي هايلي" لـ"لدول المحتاجة" في الأمم المتحدة في حالة تصويتها إلى جانب مشروع القرار التركي- اليمني حول القدس، والتي حظيت، الرسالة، بدعم وتوضيح من "ترامب".

في ضوء هذه الرؤية الواضحة يمكن قراءة "قرار ترامب"، بعد تنحية الدخان والغبار والإشارات الغامضة، حمالة الأوجه، وعمليات التمهيد التي سبقت القرار ورافقته، من نوع "صفقة القرن" أو "المؤامرة".

المشهد الآن أكثر وضوحاً، وثمة عودة قوية لمكونات الصراع الأساسية، ها هي القضية الفلسطينية الواجهة من جديد، وها هو مركز الحدث ينتقل الى شوارع القدس ومدن وبلدات ومخيمات فلسطين. وها هي صور الفلسطينيات والفلسطينيين وهم يواجهون جنود الاحتلال والمستعمرين تعود الى موجات البث وتغطي شاشات العالم.

ثمة جبهة عالمية تتشكل في مواجهة العدوانية القادمة من البيت الأبيض، والتي تهدد العالم بأسره بما فيها أوروبا، جبهة مقاومة تبدأ، في مجاز استثنائي، من قرية "النبي صالح" حيث تواجه الطفلة الفلسطينية "عهد التميمي" امبراطورية الاحتلال، والخليل حيث يعتقل جيش مدجج الفتى "فوزي الجنيدي"، وتمتد لتشمل الولايات المتحدة نفسها، هنا يمكن اعتبار التحذير الذي أطلقه "أوباما" حول مقدمات صناعة "هتلر جديد"، جرس انذار ونداء استغاثة في نفس الوقت.