الفتاة الفلسطينية عهد التميمي.(أرشيف)
الفتاة الفلسطينية عهد التميمي.(أرشيف)
الجمعة 22 ديسمبر 2017 / 19:57

عهد التميمي والموناليزا

ردة الفعل الوحيدة التي أثارت دهشتي كانت في حُرقة العرب، وحزنهم من ألا تكون لبطولة عهد قيمة لدى النصف الآخر من الكوكب إلا بحسب قرب هيئتها من هيئاتهم

الصور الأولى للحظة اعتقال الطفلة الفلسطينية عهد التميمي، واقتيادها من منزلها تحت جنح الليل.
التضليل "الفوتوشوبي" البغيض يغطي وجهها، ولا يكاد يُرى منها سوى كوفيتها الشامخة، ونحن الذين اعتدنا أن نسمع زئيرها الغاضب في كل المقاطع، أو نشاهد –على الأقل- قبضتها الممتدة نحو المتسترين بخوذهم.

يُقال –والعهدة على الراوي- إن هذا لم يكن من عمل الصدفة.

إن تلك الآلة الإعلامية الصهيونية الفاشية متهمة الآن بأنها قد عمدت إلى إخفاء وجه عهد لئلا يلاحظ الغرب عينيها الخضراوين، وشعرها الأشقر، ولون بشرتها الذي يكاد ينسبها إليهم، فيتعاطف معها، ويتذكر اسمها، ويتقصّى أخبارها.

وحين أقول إن العهدة في ذلك على الراوي، فقد يكون راوينا أحد أولئك المؤلفين الفيسبوكيين الذين يتقيؤون أول ما يتكوم في أذهانهم من أكاذيب. ولكن ما علينا.

ردة الفعل الوحيدة التي أثارت دهشتي كانت في حُرقة العرب، وحزنهم من ألا تكون لبطولة عهد قيمة لدى النصف الآخر من الكوكب إلا بحسب قرب هيئتها من هيئاتهم، وتشابه ملامحها مع ملامحهم. إنهم يتباكون متسائلين كيف تتبخر الإنسانية المزعومة لذلك الغرب، وكيف تجتذبه ضحية دون أخرى فقط لأنها أعلى قابلية للطباعة على غلاف مجلة "فوغ".

ربما شعوب الأرض كلها باتت تغرق في وحول السطحية، بل وبنفس الوتيرة إذ تتشارك المعايير المتعارف عليها لما هو جميل ولافت ومميز، وبالتالي جدير بالاحترام والإعجاب. إنها حالة عالمية لن يصدمني عندها أن تصبح عهد جديرة باهتمام الإعلام الغربي بسبب سحنتها، أو مواكبة شعرها المتموج لموضاتهم.
ولأنعش ذاكرتنا قليلاً.

كانت طفلة بيضاء الوجه، بهية الطلة، تغطي رأسها قلنسوة صوفية، وترتسم على شفتيها ابتسامة خجولة فيما يتسع بؤبؤ عينيها الأخضر المحدق مباشرة في الكاميرا. لُقّبت بـ "الموناليزا السورية" إذ طغت صورتها على وسائل التواصل الاجتماعي في شتاء 2014.
لقد كانت واحدة من 110 آلاف شخص من بني قومها الذين آواهم مخيم الزعتري، ولكنها وحدها من أيقظتنا من سباتنا حول مأساة اللاجئين، ووحدها من نبّهتنا إلى الأوضاع البائسة للسوريين المهجّرين، ووحدها بعلبتها الكرتونية المحتوية على قُطع العلكة من أقضت مضاجعنا قلقاً على عمالة القصّر.

لم يكن الانترنت والصحف والتلفاز، بل وحتى كوابيسنا، قد خلت من صور الأطفال السوريين في خيمهم البلاستيكية، وعلى الحدود المقفرة للدول. ولكن ربما كان من الحري بالنظام السوري المجرم آنذاك أن يطمس ملامح تلك الطفلة على وجه التحديد على غرار ما يفعل الصهاينة الآن بصور عهد، فقط ليُجنّبنا ضجيج المُدّعين والمزيفين.

فمظهرها وحده كان ما استثار فينا الإنسانية "الفالصو"، حتى لم يخجل بعضنا من التصريح بأنها "أجمل" من أن تعاني الفقر والجوع!
بالله عليكم، أي حق لنا نحن بالاعتراض على سطحية هذا العالم تجاه عهد، والاشمئزاز من المعايير التي قد يلتفت بفضلها إليها، أو يقرر نسيانها؟