ضباط فلسطينيون وإسرائيليون في الضفة الغربية(أرشيف)
ضباط فلسطينيون وإسرائيليون في الضفة الغربية(أرشيف)
الإثنين 1 يناير 2018 / 20:19

وكأنها معجزة!

في كلمته بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لانطلاقة حركة فتح، قال رئيس الحركة ورئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إنه لا يقبل أن تكون السلطة بلا سلطة والاحتلال بلا كلفة، وأعاد عباس التأكيد على "الثوابت" و"الخطوط الحمراء" مشيراً إلى التمسك بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وذلك على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

لا أحد يتوقع من سلطة رام الله إعلان الحرب على إسرائيل، لكن الفلسطينيين ينتظرون تحقيق الحد الأدنى الضروري للانتقال من حالة الجمود إلى فضاء الحراك المنتج، ويطالبون بالبدء في تغيير المسار من خلال قرار وطني بإنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال

كان واضحاً أن عباس يتحدث عن ثوابته وثوابت الطبقة السياسية التي امتطت الأطر الفلسطينية في سنوات الرماد التسووي، ولم يكن يتحدث عن ثوابت الشعب الفلسطيني الذي لم نسمع يوماً أنه يختصر كينونته في مشاريع الحلول والتسويات والاتفاقات.

رغم ذلك، فإنه تجاوز الحقيقة والواقع في إشارته إلى رفضه وجود سلطة بلا سلطة، لأن هذا الوضع قائم ومعلن منذ قيام السلطة المكبلة باتفاقات معيبة مع سلطات الاحتلال، كما كان مجافياً للحقيقة حين أعلن رفضه لوجود احتلال بلا كلفة لأن هذا هو الواقع المر في ظل التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال، ورفض الرئيس وقيادته إنهاء هذا التنسيق المخجل حتى في ذروة التحدي الشعبي والمواجهة الجماهيرية لقوات الاحتلال.

أما تأكيد الرئيس عدم أهلية الولايات المتحدة لرعاية "عملية السلام" وقراره السابق بقطع الاتصالات مع واشنطن، على فرضية أن هذه الاتصالات أضحت مقطوعة بالفعل، فإنه لا يستقيم مع استمرار الاتصالات مع إسرائيل في الوقت الذي يخرج فيه الفلسطينيون إلى شوارع الاشتباك في هبة القدس.

يقول عباس إن الاتصالات مع الأمريكيين مقطوعة بقرار وطني، لكنه لا يشير إلى إجراءات بحق مسؤولين في سلطته التقوا المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات سراً خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل، كما لا يفسر الرئيس جدوى وضرورة اللقاءات الفلسطينية-الإسرائيلية في بكين مؤخراً ضمن ندوة "الشخصيات المحبة للسلام"، وما هو دور الشخصيات الفلسطينية المشاركة في وثيقة جنيف.

يبدو واضحاً أن كلمة عباس الأخيرة والتي حملت تصعيداً غير مألوف في خطاب الرئيس التسووي كانت موجهة للشارع الفلسطيني الذي ينتظر من القيادة مواقف أكثر جرأة، ولم تكن تعبر عن حقيقة موقف هذه القيادة التي يبدو أنها لا تزال متمسكة بالتسوية على الطريقة الأمريكية سواء من خلال التعاطي مع الأفكار التي يقدمها الأمريكيون مباشرة أو من خلال وسطاء أصدقاء لواشنطن.

ويبدو أيضاً أن مطلب تحقيق الاعتراف الأممي بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة هو مجرد شعار مرفوع للاستهلاك الشعبي، لأن تحقيق هذا الاعتراف يعني بالضرورة إعلان فلسطين دولة تحت الاحتلال، وهو ما يقضي منطقياً بضرورة حل السلطة الفلسطينية القائمة في أجزاء من الضفة المحتلة.

تحقق الكثير فلسطينياً منذ إعلان رئيس أمريكا قراره البائس بشأن القدس، لكن القيادة التي حصرت كل خياراتها في المشروع التسووي تستنكف عن استثمار الحالة الدولية الجديدة، كما تعجز عن استثمار الهبة الشعبية الفلسطينية في الضغط على إسرائيل وأصدقائها في الإقليم والعالم.

هذا عام جديد، وينبغي أن ترسم فيه ملامح جديدة للتوجه الفلسطيني، في إطار الممكن، فلا أحد يتوقع من سلطة رام الله إعلان الحرب على إسرائيل، لكن الفلسطينيين ينتظرون تحقيق الحد الأدنى الضروري للانتقال من حالة الجمود إلى فضاء الحراك المنتج، ويطالبون بالبدء في تغيير المسار من خلال قرار وطني بإنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو قرار منطقي وينبغي أن يكون سهلاً في ظل التأييد الدولي الكاسح للحقوق الفلسطينية وفي احتضان المجتمع الفلسطيني كله لبرنامج الصمود والمواجهة.

هي خطوة أولى، لكن التردد باتخاذها يجعلها تبدو وكأنها معجزة.