الاجتماع الموسع الثاني للمعارضة السورية (أرشيف)
الاجتماع الموسع الثاني للمعارضة السورية (أرشيف)
الثلاثاء 2 يناير 2018 / 20:10

أوسلو السوريين ليست سوتشي

في بيئة مناسبة لنمو الفِطر، تم استنبات اتفاقية أوسلو، في قبوٍ في عاصمة النرويج، فتفاجأ العالم باتفاق فلسطيني إسرائيلي تم التوقيع عليه في واشنطن في 13 سبتمبر(أيلول) 1993.

لأنه من غير المؤكد أن سوتشي سيكون معلناً تماماً، يبرز احتمال أن تتضمن نتائجه اتفاقيات سرية، أو لغة حمَّالة أوجه تثير تحفظات هذه الجهة أو تلك، إن كان هنالك من اتفاقيات، وإن كان هنالك من طرفين ليتفقا

كما تفاجأت بالاتفاقية "جبهة الصمود والتصدي"، و"الممانعة" وهي لا تزال جنيناً وقتها، بعد حديث طويل عن تلازم مسارات التفاوض العربية المتخالفة.

ولحق الأردن بالفلسطينيين بعد عام، فماتت فكرة تلازم المسارات التفاوضية، بتوقيع معاهدة "وادي عربة" في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 1994.

ليس لدى السوريين من يشبه محمود عباس، وليس لدى السوريين من هو ياسر عرفات، وليس لديهم الملك الأردني، حسين، الذي قابل شمعون بيريز أكثر من 20 مرة قبل اتفاق "وادي عربة"، ما بين 1974 وحفل توقيع المعاهدة.

في المسألة السورية، لا يقتصر الاختلاف على عدم وجود أشخاص مماثلين لتلك الشخصيات التاريخية، فلا تشابه بين الحالتين، ولا بين العدوين الأسدي والإسرائيلي، ولا بين الراعي الأمريكي والراعي الروسي اليوم.

قد يكون الشبه الأول بين الحالتين السورية والفلسطينية هي في يقين واشنطن وموسكو بأن استخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي سيقود كلاً من الفلسطينيين والسوريين من رقابهم للتوقيع على إعلان استسلام غير مشروط، ولو بعد حين من الزمن يعني مزيداً من الدم والقهر وامتهان الكرامة الإنسانية المكفولة نظرياً في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وكملحق لتشابه الراعيين لاستمرار نزيف الدم السوري، قد تبرز الواقعية السياسية من باب إقناع معارضين معتدلين بأن مشاركة النظام في الحكم في فترة انتقالية هو الحل لإنهاء الحرب، ما يعيدنا إلى فكرة سوتشي السرية الشبيهة بأوسلو التي أكدت على الشراكة الفلسطينية مع إسرائيل في التنسيق الأمني. وهذا التنسيق كلف المقاومين الفلسطينيين آلاف الضحايا، بين قتلى ومعتقلين، حتى بين صفوف حركة فتح.

ولأنه من غير المؤكد أن سوتشي سيكون معلناً تماماً، يبرز احتمال أن تتضمن نتائجه اتفاقيات سرية، أو لغة حمالة أوجه تثير تحفظات هذه الجهة أو تلك، إن كان هنالك من اتفاقيات، وإن كان هنالك من طرفين ليتفقا.

ولأن الحضور المتوقع سيناهز ألفي مدعو، فمن غير المحتمل إلغاؤه بعد تأجيل موعده مرتين، ومن ثم التأكيد أنه سيلتئم آخر الشهر الجاري.

وحتى بمقاطعة أربعين فصيلاً عسكرياً معارضاً للنظام الأسدي له سينعقد المؤتمر.

ولو قاطعت المؤتمر كل التشكيلات السياسية، من الائتلاف، وهيئة التفاوض، وهيئة التنسيق، ستحضر منصتا موسكو والقاهرة، وتيار الغد، مع تشكيلات مدنية عشائرية ومناطقية، وممثلين عن "فيدرالية شمال سوريا"، أو الأكراد، ليقول بوتين ولافروف إن "شعوب سوريا" حضرت كي تتحاور وتقرر مستقبل سوريا، بمشاركة النظام الذي منح روسيا القواعد العسكرية والاقتصاد السوري، وكعكة الإعمار كلها. ولذلك تفضل روسيا ألا يطول زمن الحرب أكثر، وعلى جميع المعارضين الاستسلام للإرادة الروسية.

اللافت أن الفصائل الأربعين المقاطعة ذات وزن على الأرض، وهي مرشحة للتزايد مع اشتعال جبهات قصف في إدلب، وجبهة مواجهة مع النظام في الغوطة الشرقية.

واللافت أيضاً أن هذه الفصائل تنقسم إلى فئتين، منها ما هو مقرب من تركيا في الشمال، ومنها ما هو مقرب من أمريكا في الجنوب.

وتسخين القصف على إدلب في هذا التوقيت من موعد سوتشي لا يعني أن لدى روسيا الوقت الكافي لاستعادة سيطرة النظام الأسدي على المحافظة التي تتجمع فيها الآن معظم قوة "هيئة تحرير الشام  النصرة"، فشهر واحد لا يكفي حتى لو استخدمت روسيا والنظام كل القوة الغاشمة ضد النصرة، كون نتائج مئات الغارات خلال الأيام الماضية خلفت فقط عشرات القتلى من المدنيين والأطفال.

كما أن تواجد فصائل أخرى معارضة لسوتشي يجعل من المعركة أشد صعوبة في الحسم، لأن الغارات لا تحسم معركة حتى لو أحرقت الأرض، ولأن ميليشيات إيران وحزب الله تفرقت بين شرق سوريا، وغرب دمشق، في محاولة للسيطرة على الغوطة الغربية بشكل كامل.

هنالك أيضاً جبهة بدأت تزداد سخونتها في الأيام الأخيرة، لكنها مرشحة للاشتعال بشدة في الغوطة الشرقية لدمشق، مع شائعات صحفية عن تحضير النظام وميليشيا حزب الله لاقتحام دوما بعدد يصل إلى أربعين ألف بين جندي وعنصر ميليشيا، معززين بالطيران والصواريخ والمدفعية.

ما يجعل هذه الشائعات محتملة الوقوع ليس فقط مبررات سوتشي، بل المبررات الاستراتيجية التي جعلت محيط دمشق، وجنوبها خاصة، خارج سيطرة النظام منذ منتصف 2012، وبالتالي سيكون هدف النظام وميليشياته هو قطع الاتصال بين غرب دمشق، في "بيت جن"، ودرعا، ما يعني أن الجهة الوحيدة للتحرك أمام الفصائل المسيطرة في الغوطة الشرقية (جيش الإسلام – هيئة تحرير الشام – فيلق الرحمن – حركة أحرار الشام) ستكون في اتجاه شرق، وشمال دمشق، وليس درعا، التي لم تشكل قلقاً للنظام، كون غرفة "موك" برَّدت هذه الجبهة منذ سنوات، بحيث لم تتدخل فصائل الجيش الحر في معارك سيطرة النظام على داريا قبل أكثر من سنة، كما لم تساند الفصائل المعارضة في "التل"، أو في الزبداني.