احتجاج سابق ضد الرئيس الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
احتجاج سابق ضد الرئيس الإيراني حسن روحاني (أرشيف)
الأربعاء 3 يناير 2018 / 20:10

المبكر وغير المبكر في إيران

أغلبيّة المقالات التي علّقت على تظاهرات المدن الإيرانيّة، إن لم يكن كلّها، حملت عبارة "من المبكر الجزم بما ستنتهي إليه الاحتجاجات"، أو ما يشبه هذا المعنى.

نظام الثورة الخمينيّة بات عمره يقارب الأربعة عقود، وهذه فسحة زمنيّة طويلة نسبيّاً غالباً ما تتساقط الأنظمة الثوريّة فيها أو تخضع لتغيّر جذريّ

 وتحفّظ مثل هذا صحيح وسليم لأنّ أحداً لا يعرف بالفعل إلى أين ستتّجه الأمور في إيران: هل سيتعرّض التحرّك للقمع؟ هل سيشهد تصاعداً يحوّله إلى ثورة إلخ...؟ أضف إلى ذلك أنّ صدقيّة الكاتب والمحلّل ينبغي أن تردعه عن إحلال عواطفه ورغباته الذاتيّة محلّ الواقع، وعن ترويج أحلام سريعاً ما يتبدّى أنّها مجرّد أوهام.

إذاً، من المبكر الجزم في الوجهة الأخيرة للوضع الإيراني، لكنّ ما ليس مبكراً الجزم فيه عدد من الحقائق والحقائق المضادّة التي يصعب تجاهلها حتّى من قبل المتعاطفين مع نظام آيات الله والمروّجين له:

فأولاً، بات ثابتاً أن إيران الغنية بمواردها الطبيعيّة وطاقتها البشريّة تعاني ضائقة اقتصاديّة لم يستطع الاتفاق حول الملفّ النووي أن يبددها، فيما يفاقمها الفساد الفلكي الذي بات من أبرز صفات ذاك النظام. لقد جاءت هذه الحقيقة صفعةً لما روّجه "معتدلو" النظام ممّن وقّعوا على الاتّفاق وتحمّسوا له.

وثانياً، بات ثابتاً أن لعبة تغيير الوجوه في منصب رئاسة الجمهوريّة لا تكفي لحجب حقيقة السلطة: إنها في يد الوليّ الفقيه علي الخامنئي، أكان رئيس الجمهوريّة "متطرّفاً" وشعبويّاً كمحمود أحمدي نجاد أم "معتدلاً" ونيو ليبراليّاً كحسن روحاني. هذا ما قالته التظاهرات بصراحة ووضوح، حين اتّجهت هتافاتها وشعاراتها إلى حيث السلطة الفعليّة.

وثالثاً، بات ثابتاً أيضاً أنّ الضائقة الاقتصاديّة ليست عنصراً مساعداً لأداء دور إمبراطوريّ كبير يمتدّ من لبنان وسوريّا إلى اليمن. التجربة السوفييتيّة سبق أن برهنت بما لا يقبل الشكّ أنّ الدور الإمبراطوريّ إنّما يتطلّب اقتصاداً قويّاً وغنيّاً. هذه ليست حال إيران، خصوصاً إذا نجح الروس من جهة، والإسرائيليّون من جهة أخرى، في حرمانها قطف ثمار تدخّلها في سوريّا. بلغة أخرى، بات من الواضح جدّاً أنّ الفقر والتعاسة، لا الازدهار والبحبوحة، هما ما يصيبان الإيرانيّين من جرّاء الدور الإمبراطوريّ لنظامهم.

يقف في وجه هذه الحقائق الثلاث حقيقتان عملتا وتعملان لصالح النظام:
فأوّلاً، كان للقمع الذي تعرّضت له "الثورة الخضراء" في 2009 أن أضعف بيئة المعارضة وشتّت قواها كما أوهن الطاقة النضاليّة للطبقات الوسطى، ونعرف أنّ قائدي تلك الثورة، مير حسين موسويّ ومهدي كرّوبي، لا يزالان قيد الإقامة الجبريّة حتّى اليوم. أمّا الحقيقة الأخرى، ثانياً، فمفادها أنّ المناخ المحبط الذي أعقب فشل الثورات العربيّة واتّخذ شكل الحرب الأهليّة في غير بلد قريب من إيران ليس عنصراً مساعداً للعمل الثوريّ فيها.

صراع هذه الحقائق المتضاربة هو ما سيجعل الجزم بمستقبل الوضع الإيرانيّ ممكناً، خصوصاً إذا ما أمكن للتناقضات أن تتسلّل إلى بنى الأجهزة العسكريّة والأمنيّة (جيش، حرس ثوريّ إلخ...)، أو إذا ما انخرطت الجماعات القوميّة والإثنيّة الكثيرة (عرب، أذريّون، أكراد...) في مواجهة أهليّة مفتوحة مع الكتلة الفارسيّة (40 في المئة من السكّان).

في مطلق الحالات، لا ينبغي أن يغيب عنّا أنّ نظام الثورة الخمينيّة بات عمره يقارب الأربعة عقود، وهذه فسحة زمنيّة طويلة نسبيّاً غالباً ما تتساقط الأنظمة الثوريّة فيها أو تخضع لتغيّر جذريّ. وغنيّ عن القول إنّ العوامل الخارجيّة التي أمّنت لنظام طهران حياته المديدة، كالحرب مع العراق في الثمانينات والاحتلال الأميركيّ للعراق في 2003 ثمّ الانسحاب منه، قد استُنفدت جميعاً، أو أنّ هذا ما يلوح في أفق المنطقة.