احتجاج أمام مقر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله (أرشيف)
احتجاج أمام مقر منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله (أرشيف)
الخميس 4 يناير 2018 / 20:18

الصورة الأخيرة لمنظمة التحرير

المطلوب ببساطة، لاختصار الوقت والتقليل من الخسائر، موقف شجاع يعترف أولاً بفشل "الفكر السياسي" الذي قادنا الى هذا المأزق، وطرح استراتيجية وطنية قائمة على خبرة الشعب، ووحدة المشروع الوطني بقواسمه الدنيا في اطار منظمة التحرير

 لو استثنينا التحرك الذي يقوم به بعض الناشطين الفلسطينيين، أكاديميين وممثلين للمجتمع المدني في الغالب، مثل حنان عشرواي ومصطفى البرغوثي وعلي الجرباوي وغسان الخطيب، في التعبير عن وجهة النظر الفلسطينية أمام العدوانية الأمريكية وسيل التهديدات والابتزاز الذي يصل من البيت الأبيض، المقصود هنا هو الظهورعلى شبكات الاعلام الأمريكي والأوروبي أو الدخول في جدل مع حملة اعلامية مدججة بالكراهية والديبلوماسية "الرثة" التي تعبر عنها ادارة الرئيس الأميركي"ترامب"، وتقديم الموقف الفلسطيني والدفاع عنه.

لو استثنينا هذا الظهور، ربما تصريح من هنا أو هناك أيضاً، فكل ما سنحظى به مشهد بائس لمؤسسة مفككة يقودها مجموعة من المسنين الذين يستيقظون بين وقت وآخر، لأسباب سماوية، ليخرجو من أدراجهم القديمة "تصريحاً" أو "دعوة" أو "خطاباً" بلاغياً يختصر المشروع الوطني في "خطبة" خشبية مشفوعة بصورة الخطيب، "خطبة" مضجرة لا يتوقف أمامها المارة، في آلية أقرب الى التذكّر منها الى الحضور السياسي.

مثل جنازة طويلة تعبر منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، موكباً جنائزياً في واقع افتراضي، حيث يتململ راحلون كثر في قوائم الأرشيف، توقفوا عن تلبية الدعوات الأرضية، حركة الحياة والموت، تلك، تكاد تكون المظهر الوحيد الذي يتنفس في الموكب. بينما ينقلب كل شيء في المنطقة، وتتحدد مسارات وتتداعى مرحلة كاملة من السياسات التي حدثت باسمها.

كيف وصلت م.ت.ف الى هذه المتاهة من الهرم والنسيان.

كيف هزمت بهذا الشكل المريع.

المنظمة التي قاتلت بقوة وشجاعة في مواجهة "حروب البدائل" التي كانت تطاردها وتحيط بها.
  
فشلت "جبهة الرفض" في السبعينيات، وتحطمت محاولات وأحلام جناحي البعث، العراقي والسوري، في إخضاعها واقتسامها والتحدث باسمها.

فشلت "جبهة الإنقاذ" التي رعاها وأطعمها نظام حافظ الأسد وأثثها بحرب أهلية فلسطينية واغتيالات وانشقاق في عمودها الفقري "فتح".

فشلت المحاولات الحثيثة للإخوان المسلمين في فرض بديلها الخاص، ولم تنجح في اختراقها أو الاستيلاء عليها، رغم كل محاولات إفساد المشروع الوطني وأفقه الديمقراطي، وزجّه في "إيديولوجيا" دينية، المحاولات التي توجها "انقلاب" حماس والاستيلاء على قطاع غزة.

ولكن ائتلاف المنظمة نفسه فعل ذلك.

عبر اقصاء خبرة "الانتفاضة الكبرى" وتبديد مكتسبات التجربة السياسية والمدنية التي راكمها عبر سنوات الاحتلال الطويلة، وتنظيم عملية "ترانسفير" لكوادر المنظمة نحو هيكل "السلطة الوطنية" المنبثقة عنها كأحد ملاحق اتفاقيات "أوسلو".

ببساطة صنعت منظمة التحرير الفلسطينية "بديلها"، وحققت ما فشل خصومها في تحقيقه.

تراجع ثقلها وحضورها في الخارج، وتآكل تمثيلها لفلسطينيي الشتات، فيما يشبه التخلي عن مسؤوليتها الوطنية الأهم وخسارتها، في نفس الوقت، لخزان الدعم الرئيسي الذي مدها لعقود طويلة بالطاقة.

ربما، لهذا يبدو المشهد الآن بهذا الالتباس المؤلم.

لن نتمكن من عبور هذه المرحلة بهذه الحمولة وهذه الأدوات وهذا الخطاب.

المطلوب ببساطة، لاختصار الوقت والتقليل من الخسائر، موقف شجاع يعترف أولاً بفشل "الفكر السياسي" الذي قادنا الى هذا المأزق، وطرح استراتيجية وطنية قائمة على خبرة الشعب، ووحدة المشروع الوطني بقواسمه الدنيا في اطار منظمة التحرير.

لعل هناك ما يمكن اعتباره إيجابياً في المشهد، لم تعد هناك أوهام يمكن الاتكاء عليها لتمرير الوقت، للمرة الأولى منذ عقود حصل الفلسطينيون على حريتهم من أوهام الحلول والوسطاء وخرائط الطرق.