السفيرة الامريكية في مجلس الأمن نيكي هايلي تصوت على دعم قرار الرئيس دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.(أرشيف)
السفيرة الامريكية في مجلس الأمن نيكي هايلي تصوت على دعم قرار الرئيس دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل.(أرشيف)
الإثنين 8 يناير 2018 / 20:17

كيف تشتري 42 دولة بوجبة عشاء!

في نهاية الأمر حظيت "دول" المحور الصهيوني بمكافأة أمريكية عظيمة تمثلت في وجبة عشاء، لا نعرف حتى الآن أنواع الطعام الذي قدم فيها، وإن كنا نجزم بأنه "كوشر"

لا مبالغة في العنوان، فقد حدث ذلك عندما اختارت سبع دول أعضاء في الأمم المتحدة أن تشذ عن شبه الإجماع الدولي على رفض قرار الرئيس الأمريكي في شأن القدس المحتلة وصوتت مع إسرائيل وأمريكا ضد القرار، واختارت 35 دولة أخرى أن تمتنع عن التصويت حتى تتجنب غضب الولايات المتحدة، التي امتقع وجه المرأة التي تمثلها في المنظمة الدولية وهي تستمع إلى كلمات مندوبي الدول، وهي كلمات حملت الكثير من الرفض والتحدي للموقف الأمريكي، كما عبرت عن السخرية من تهديدات المرأة المحتقنة ورئيسها "المتزن" بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن تسوّل له نفسه برفض سياسة واشنطن.

لكن هناك مبالغة بائنة في اعتبار الكيانات الضيئلة والذيلية دولاً، فبعض هذه "الدول" لا يتجاوز عدد سكانها عشرين ألفاً، ما يعني أنها أصغر من حارة في القدس، وبعضها الآخر لا يملك قراره منذ أن تحولت بعض بلدان أوروبا الشرقية إلى مزارع ترفيهية للولايات المتحدة التي أشعلت الثورات البرتقالية في بلاد كانت حمراء.

في نهاية الأمر حظيت "دول" المحور الصهيوني بمكافأة أمريكية عظيمة تمثلت في وجبة عشاء، لا نعرف حتى الآن أنواع الطعام الذي قدم فيها، وإن كنا نجزم بأنه "كوشر".

لا تنتهي طرافة الموقف عند هذا الحد، فقد أعقبت التصويت الأممي نكسات و"وكسات" متلاحقة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفه الأقرب إلى نفسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث ما لبث المخلوقان أن تجاوزا أزمة القرار الدولي حتى تفجرت أزمات أخرى في وجهيهما، حين خرج آلاف الإسرائيليين إلى شوارع تل أبيب مطالبين بمحاكمة رئيس الحكومة المتهم بالفساد في ملفات كبيرة وخطيرة تبدأ بطلب رشوة لتزيين عنق زوجته سارة بقلادة ذهبية ولا تنتهي بطلب عمولة في صفقة الغواصات الألمانية. وفي الوقت الذي كان فيه نتانياهو يحاول الهروب من تحقيقات الشرطة بفساده من خلال سن تشريع في الكنيست يمنع محاكمته، كان ترامب يجهد في محاولة إقناع الطبقة السياسية الأمريكية وعموم الشعب الأمريكي باتزانه العقلي وسويته النفسية، لكنه كان يزيد طينه بلة كلما نشر تغريدة جديدة على صفحته في "تويتر"، وبدت تغريداته وكأنها محاولات يائسة لإقناع نفسه، قبل الآخرين، بأنه حقاً قادر على قيادة الدولة الأعظم في العالم.

وإذا كان صحيحاً أن أحداً لا يستطيع الجزم بقرب خروج ترامب من البيت الأبيض بقضية مدوية، أو بقرب خروج نتانياهو من الحياة السياسية بفضيحة مجلجلة، فإنه صحيح أيضاً أن أحداً لا يستطيع الرهان على قدرتهما على البقاء في المنصب، ناهيك عن النجاح في أي انتخابات مقبلة. وربما تقلق هذه الحقيقة تابعيهما الذين ينتظرون المزيد من وجبات العشاء على مائدة القرار الأمريكي المجافي للعقل.

في الأيام الأخيرة، وبعد صدور كتاب "النار والغضب في بيت ترامب الأبيض"، تفاقمت أزمة العقاري الذي صار رئيساً، وفقد ما تبقى من هدوئه وهو يرد على ما جاء في الكتاب من أوصاف لا تليق برئيس الولايات المتحدة، ولعل ما أكسب هذه الأوصاف مصداقية كبيرة يكمن في أنها جاءت منسوبة إلى كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية وإلى أفراد من عائلة الرئيس، كما أن صاحب الكتاب ليس معارضاً شيوعياً، بل هو واحد من مستشاري ترامب ومقربيه السابقين.

مما قرأت عن العلاقة بين ترامب ونتانياهو، ذهب أحد الكتاب إلى القول: وافق شن طبقة. لكن الزميل الكتاب جانبه الصواب في هذا الوصف لأن هذا المثل ينطبق على العقلاء.

رغم ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تستمر في شراء مواقف الدول الذيلية بوجبات العشاء أو حتى بساندويشات صغيرة، ليس لأن واشنطن مرعبة، ولكن لأن الجائعين مرعوبون.