إيرانيون يحتجون ضد الحكومة والنظام في طهران.(أرشيف)
إيرانيون يحتجون ضد الحكومة والنظام في طهران.(أرشيف)
الإثنين 8 يناير 2018 / 20:07

الأنظمة العقائديّة

الأحداث الأخيرة ليست ثورة، إنّها انتفاضة على العوز والبطالة والفساد. الدولة رغم قوتها المسلّحة ونفوذها الإقليميّ، لا تكفي شعبها. هذا بحدّ ذاته يذكّر بالديموقراطيّات الشعبيّة وبخاصّة بالإتحّاد السوفياتي

تكاد الأنظمة العقائديّة منذ فجر التاريخ تتشابه، ولعلّ ما بين النظام النازيّ والنظام السوفييتيّ من تشابه، رغم ما بينهما من عداوة ومن صراع دمويّ ومن خصومة فكريّة، فإنّ النظامين في بعض النقاط يتقاربان تقارباً غريباً. ولعلّ ما يجري في إيران اليوم, وما يستشرفه الحدث الإيراني الّذي إستطاع أن يرسّخ نفسه وأن يستمرّ عشرات السنين، إن ذكّر بشيء فهو يذكّر بنهايات الشيوعيّة، بقدر ما يذّكر ببداياتها. وإذا كان ما جرى غير كافٍ لزعزعة نظام يحميه عشرات الآلاف من الحرس الثوري، فإنّ الشيوعيّات لم تسقط إلاّ بعد معارك متواترة من هذا القبيل.

لعلّ القرب الأوّل بين النظام الإيرانيّ والأنظمة العقائديّة، وهذا للعجب، نظريّ، وأقول للعجب، إذ ما الّذي يجمع نظريّاً بين نظام ينتسب إلى الدين ونظام ملحد ولادينيّ؟ الّذي يجمع بين النظامين اجتهاد نظريّ لم يكن في أصل الشيوعيّة أو الماركسيّة، وجوبه من داخلها باعتراضات عدد من فلاسفتها ومنظّريها،أمثال بليخانوف وروزا ليكسمبورغ، شأنه شأن الإجتهاد الإيرانيّ.أما الإجتهاد اللينينيّ فقد صدر عن النظريّة السوفياتيّة الأم الّتي تعتبر، في تحليلها الطبقي، الطبقة العاملة هي نهاية التاريخ، وهي لذلك الطبقة الأكثر تقدّماً والّتي تقوم بعبء التاريخ. لكنّ هذه الطبقة عليها لذلك أن تنفرد بالسلطة ومن ينوب عنها في السلطة وينفرد بإسمها في الحكم. إنّه الحزب الشيوعي، بل الشقّ منه الّذي نجح في نيل اكثريّة سوفياتية في مجلس عمّال العاصمة، وكان يصارع على رئاسة السوفيات شقّاً شيوعيّاً آخر وتـنظيمات ثوريّة. لقد آذن فوز البلاشفة بصدارة سوفيات بتروغراد بتسلّمهم هم وحدهم قيادة السوفيات، الأمر الّذي اعتبره لينين تفويضاً من الطبقة العاملة، أي تفويضاً من التاريخ بإنابة الشقّ البلشفيّ الجزئيّ باستلام السلطة وقيادة المجتمع نيابة عن الطبقة العاملة. كان السرّ في أنّ الجنود العائدين من الحرب العالميّة الأولى التحق معظمهم بالبلاشفة الّذين كان في برنامجهم الخروج من الحرب،  ما يلائم رغبات هؤلاء المتعبين من الحرب الّذين لا يجدون ما يأكلونه. وكان الألمان سهّلوا للينين، الداعي إلى الإنسحاب من الحرب والصلح مع الألمان، الدخول إلى روسيا، ما اعتبره خصوم لينين الّذي عجّل إلى مفاوضة الألمان، خيانة وتخاذلاً. ديكتاتوريّة البروليتاريا تعفي الحزب الحاكم من الحساب، فهو على صواب حتى ّحين يخطئ، إذ يكون حتّى في هذه الحال الأقلّ غلطاً.

في المقابل هنك في إيران نظريّة الخميني "ولاية الفقيه"، والنظريّة شأنها شأن ديكتاتوريّة البروليتاريا تفوّض الفقيه بالنيابة عن الإمام المعصوم "الّذي لا يخطىء" بالحكم ولو باسم الإرشاد. فهو الحكم الأخير وحكمه لايردّ. هذه النظريّة الّتي لم يتوافق عليها الفقهاء الشيعة ونودي بها في العهد الصفويّ، هي كديكتاتوريّة البروليتاريا تفّوض الفقيه بدل الحزب بالسلطة، ولا رادّ لأحكامه الّتي تجري مجرى أحكام الإمام وتقوم بالنيابة عنه. ولأنّها كذلك فهي كأحكام الإمام نافذة صائبة حتّى حين تكون عاقبتها سيئة. فهي في ذلك الحين الأقلّ خطأً والأصوب بهذا المعنى, فالمرشد الّذي يستلهم الإمام هو صوته وهو نائبه ولايتطرّق الزيغ إلى قراره. هكذا من نيابة البوليتاريا إلى نيابة الإمام، ومن ديكتاتوريّة البروليتاريا ممثلّة في حزبها الممثل في قائده إلى ديكتاتوريّة النائب عن الإمام.

الأحداث الأخيرة ليست ثورة، إنّها انتفاضة على العوز والبطالة والفساد. الدولة رغم قوتها المسلّحة ونفوذها الإقليميّ، لا تكفي شعبها. هذا بحدّ ذاته يذكّر بالديموقراطيّات الشعبيّة وبخاصّة بالإتحّاد السوفياتي. هذه الدول كانت تهدر أموالاً طائلة عالى السلاح وعلى تمويل الحركات الموالية في البلدان الأخرى، فيما صناعتها المحليّة أقلّ مستوى من أضعف بلد أوروبي. وفيما شعوبها تعاني من العوز والضيق، لاتزال الصناعة الإيرانيّة في المستوى الّذي تركه الشاه، كما يصل من الميديا. بل إنّ هناك شبهاً آخر هو الفساد الّذي خلق في الإتحاّد السوفياتي والديموقراطيّات الشعبيّة طبقة جديدة ثريّة. يجري الكلام في إيران عن ثراء الطبقة الحاكمة، إنّها أيضاً الطبقة الجديدة المؤلّفة من رجال الدين والبيروقراطيّة.