الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد توقيعه اعلان القدس عاصمة لإسلرائيل، وبدا نائبه مايك بنس خلفه.(أرشيف)
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد توقيعه اعلان القدس عاصمة لإسلرائيل، وبدا نائبه مايك بنس خلفه.(أرشيف)
الثلاثاء 9 يناير 2018 / 19:54

الطبقة السياسية الفلسطينية داخل زاوية ضيقة

بعد ضربة الرأس، ذهب السيد ترامب الى الجذور، فما معنى وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم

الطبقة السياسية الفلسطينية التي نقرأ تصريحات وجهائها على واجهات الصحف، مصابة بعقدة متوارثة لم تحاول الفكاك منها، وهي الخوف دائماً من الاتهام بالخيانة، لهذا عندما تقترب من دائرة اتخاذ قرار خارج عن النمط، تنأى بنفسها عنه وتجد تبريراً لهذا النأي بالقول إننا لن ننهي حياتنا بخيانة.

الضربة الموجعة التي تلقتها هذه الطبقة السياسية، جاءت من أمريكا التي هي أساس المرحلة السياسية الفلسطينية منذ التوقيع الشهير على أوراق أوسلو في البيت الأبيض، إلى الغداء الشهير الذي أقامه ترامب ووعد فيه الفلسطينيين بحل متوازن لقضيتهم المزمنة.

الضربة جاءت في الرأس، فالقدس بالنسبة للفلسطينيين هي المعيار لقبول أي حل سياسي أو رفضه، وحتى حين تفرغ الرئيس كلينتون لإنجاز حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين في منتجع كامب ديفيد الشهير، كانت القدس هي صاعق التفجير، ومبرر الرفض الفلسطيني لمقترحات الرئيس الأمريكي، الذي نظر اليها في حينه من قبل معظم المراقبين على أنها كانت سخية ومن النوع الذي يمكن التعامل معه.

وبعد ضربة الرأس، ذهب السيد ترامب الى الجذور، فما معنى وقف تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم. كان هذا التمويل بمثابة إقرار أمريكي بموجود مشكلة جدية تلح على الحل، هي مشكلة اللاجئين، وكانت الأونروا هي أحد العناوين الدولية لهذه المشكلة الرئيسية، وحين يقوم الرئيس ترامب بوقف التمويل، فذلك يمكن أن يفهم على أنه خطوة للتصفية وليست مجرد ضغط سياسي، ورغم ذلك يواصل ترامب ومعاونوه حديثهم عن صفقة القرن قيد الإعداد، فإن وافق الفلسطينيون عليها دون مناقشة فالرئيس الأمريكي جاهز ليس فقط لإعادة الدعم للأنروا والسلطة، بل والاعلان عن مشروع مارشال الذي سينفق على الحل مهما بلغت تكاليفه.

لقد وضع ترامب الطبقة السياسية الفلسطينية في زاوية ضيقة، وهذا أصابها بحال من الارتباك والتفتيش عن مخارج تبدو لفظية أكثر من كونها عملية.

لقد لوح الفلسطينيون بإخراج أمريكا من دورها التقليدي كراعٍ للعملية السياسية الفلسطينية الإسرائيلية، كذلك هددوا بإعلان السلطة التي هي كما يقولون بلا سلطة، كدولة تحت الاحتلال، وهنالك تلويحات أخرى تصل حد سحب الاعتراف بإسرائيل وإلغاء كل العلاقات معها، وسيوضع ذلك كله وغيره الكثير أمام المجلس المركزي، الذي سينعقد بعد أسبوع من الآن لاتخاذ قرارات في هذا الاتجاه.

طبيعة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية التي كان آخر معطياتها تزويد غزة بكمية كهرباء إسرائيلية بطلب من السلطة، يجعل من القطيعة المطلقة أمراً يحتاج إلى مزيد من التمحيص، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع أمريكا التي سيجدونها امامهم ملوحة بعصا غليظة وجزرة مخفية.

بقراءة موضوعية للموقف الراهن، بعد الهزة القوية التي أصابت العلاقة الفلسطينية الامريكية، نصل إلى نتيجة فيها من الحرج أكثر مما فيها من المخرج، فالحكاية ليست بياناً أو خطاباً أو حتى قراراً، فلقد بني الوضع الفلسطيني على مدى ربع قرن من الزمن على قواعد أمريكية اقتصادية وسياسية وأمنية، فهل بالإمكان تغيير هذه القواعد؟

هذا ما يتساءل عنه الفلسطينيون جميعاً ويبحثون عن إجابة مقنعة له.
كانت الحكاية في ما مضى مع إسرائيل، فصارت مع أمريكا وإسرائيل، ما ضاعف الحمل وضيق المساحات وصعّب المخارج.
أمام ضربة القدس لم يملك الفلسطينيون إلا رداً كالذي رأيناه، غير أن لكل موقف ثمناً وعلى الطبقة السياسية أن تحسب الثمن قبل أن تذهب في أي اتجاه آخر.