طفل يعرض بضاعته في أحد أسواق غزة (أرشيف)
طفل يعرض بضاعته في أحد أسواق غزة (أرشيف)
الثلاثاء 16 يناير 2018 / 21:36

غزة: لا مكاسب اقتصادية تذكر من المصالحة بين حماس وفتح

بدأت الأوضاع المعيشية للفلسطينيين في قطاع غزة في التحسن، عندما أدت المصالحة بين حركة حماس التي تسيطر على القطاع والسلطة الفلسطينية التي مقرها الضفة الغربية في أكتوبر (تشرين الأول)، إلى هبوط في الأسعار التي تثقل كاهلهم.

وبعد ثلاثة أشهر، لا تزال هناك خصومات على منتجات كثيرة من الملابس إلى السيارات، لكن قليلين فقط من نحو مليوني شخص يقطنون القطاع الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيلي، يشترونها.

ورغم أن حماس سلمت إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب، والتي ألغت ضرائب إضافية فرضتها حماس على الشركات، ما أتاح مجالاً لخفض الأسعار، إلا أنه لا تزال هناك خلافات بين القيادتين المتنافستين.

ونتج عن ذلك أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يتراجع عن خفض قدره 30 % في الأجور فرضه في أبريل (نيسان) على 60 ألف موظف حكومي بقوا في قوائم الرواتب لدى السلطة الفلسطينية، حين فقدت السيطرة على قطاع غزة لصالح حماس في 2007.

وكثير من هؤلاء الموظفين غارقون الآن في ديون للبنوك بسبب قروض حصلوا عليها للتغلب على صعوبات معيشية.

وقال الخبير اقتصادي ومدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية في قطاع غزة، ماهر الطباع، إن خفض الأجور "حرم أسواق قطاع غزة من 160 مليون دولار في الأشهر الثمانية الماضية".

وبالنسبة للأفراد، كانت العواقب قاسية. ففي إحدى الصيدليات في غزة هذا الأسبوع، إضطرت أم أحمد للاكتفاء بالأدوية التي تستطيع دفع ثمنها في وصفة طبية لإبنها، وقالت وهي تختار عقارين من مسكنات الألم وتترك المضادات الحيوية الأعلى سعراً: "حتى في أسوأ أحلامي لم أتخيل أننا سنمر بمثل هذه الظروف التعيسة".

وقال الطباع إن أي تحسن اقتصادي في غزة يعتمد إلى حد كبير علىرفع إسرائيل القيود الحدودية المشددة التي فرضتها بعد سيطرة حماس على القطاع، وهو ما انعكس في تقارير للبنك الدولي على مدى السنين.

وتشير إسرائيل إلى المخاوف الأمنية وراء القيود، التي تتضمن حصاراً بحرياً وحظراً شبه تام على الصادرات من القطاع، وعلى استيراد مواد معينة مثل الصلب الذي يمكن أن يُستخدم في صنع أسلحة أو لعمل تحصينات، حسب مزاعم الاحتلال.

وتُشير مصر، الوسيط الرئيسي في المصالحة الفلسطينية والتي تحارب صعود التيار المتطرف في سيناء المجاورة لغزة، أيضاً إلى اعتبارات أمنية في إبقاء حدودها مع القطاع مغلقة إلى حد كبير.

مخاوف دولية
تحث دول كثيرة أقلقها تفاقم الأزمة الاقتصادية في غزة على فتح الحدود بشكل أكبر.

وقال البنك الدولي في سبتمبر (أيلول) إن تخفيف القيود على السلع والأفراد سيتيح تجارة ضرورية لإعادة بناء البنية التحتية والاقتصاد، اللذين تضرراً بشدة جراء حرب استمرت سبعة أسابيع بين الاحتلال إسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في غزة في 2014.

وكان هناك 550 تاجراً من غزة لديهم تصاريح لدخول إسرائيل حتى ديسمبر (كانون الأول) 2017، بانخفاض 85 % منذ أواخر 2015، حسب لجنة فلسطينية تنقل طلبات الدخول إلى السلطات الإسرائيلية.

وتقول إسرائيل إن بعض التصاريح تستغل لتهريب مواد وأسلحة وأموال إلى حماس أو لعناصر المقاومة.

وتوقع البنك الدولي أن يبلغ النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في غزة 4 % في 2017، وهو ليس كافياً لمنع شبه جمود في الدخل الحقيقي للفرد وزيادة في البطالة.

ويقدر الطباع معدل البطالة حالياً في غزة بـ 46 %.

مبيعات ضعيفة
قالت "مترو" ثاني أكبر متاجر السوبرماركت في غزة إن المبيعات هبطت لأدنى مستوياتها منذ إنطلاق النشاط قبل بضع سنوات.

وقال أحد مالكي مترو خليل اليازجي: "الناس حالياً لا يشترون إلا الأساسيات، الأساسية يعني أهم الأهم، ونحن عاجزون  عن تغطية مصاريف التشغيل".

وقلص السوبرماركت بعض سلعه وخفض وارداته، خشية إنتهاء صلاحية مخزونات جديدة لا تزال على أرفف المتجر.

وفي سوق غزة القديم، الذي كان يموج بالحركة في الماضي، قال ، وهو صاحب متجر عطارة وبهارات ممدوح زين الدين إنه ربما يوقف نشاطه.

وتابع قائلاً: "الأسواق في انهيار.. المصالحة في انهيار، مثل كل شيء في غزة".

وتبدو تأثيرات الصراع المسلح والأوجاع الاقتصادية في غزة، واضحة للعيان في كرم أبو سالم، المعبر التجاري الوحيد بين إسرائيل وقطاع غزة.

ويمر نحو 800 إلى 1000 شاحنة محملة بالسلع متجهة إلى غزة عبر المعبر يومياً، لكن الطباع قال إن هذا العدد انخفض إلى 400 في الأسابيع الماضية بعد خفض التجار الواردات بسبب ضعف طلب المستهلكين.

وتزايدت التوترات أيضاً منذ اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في 6 ديسمبر(كانون الأول)، متراجعاً عن سياسة اتبعتها الولايات المتحدة لعقود.

وقتل 16 من الفلسطينيين المحتجين في اشتباكات قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأطلق نشطاء في غزة 18 صاروخاً أو قذيفة مورتر (هاون) عبر الحدود إلى الأراضي المحتلة المجاورة للقطاع، والتي رد عليها الاحتلال الإسرائيلي بهجمات جوية.

وأغلقت إسرائيل معبر كرم أبو سالم يوم السبت، قبل يوم من تدمير ما قالت إنه نفق يمتد تحت المعبر تستخدمه حماس لشن هجمات.

وأعيد فتح المعبر اليوم الثلاثاء، لكن يُستبعد أن يشهد المزيد من التيسير.

ولا تزال هناك خلافات بين حماس والسلطة الفلسطينية حول مصير 40 إلى 50 ألف موظف عينتهم حماس منذ سيطرتها على قطاع غزة في 2007.

ويُشكل الأمن نقطة خلاف رئيسية أخرى، ولا تزال حماس تُدير الشرطة والأمن الداخلي في غزة بعد تسليم إدارة القطاع للسلطة.

وانهارت محادثات سلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي يرأسها عباس في 2014، واقترحت حكومة وحدة وطنية لدعم عباس في محاولته لإقامة دولة في الضفة الغربية وغزة.

لكن الاحتلال الإسرائيلي عرقل جهود المصالحة، مدعياً أنه لن يتفاوض مع حكومة فلسطينية تدعمها حماس، التي لا تعترف بإسرائيل وتدعو إلى تدميرها.