تعبيرية عن مسلحين من داعش (أرشيف)
تعبيرية عن مسلحين من داعش (أرشيف)
الأحد 21 يناير 2018 / 20:24

هل سينتهي داعش؟

لكل أمة دواعشها، وقد كان النازيون يقتلون اليهود على الهوية في الحقبة الهتلرية المجرمة. وبسبب الداعشية النازية تكللت مساعي الحركة الصهيونية بالنجاح فأقامت كياناً سياسياً عنصرياً إرهابياً على أشلاء الفلاحين العزّل في فلسطين

التاريخ يقول إن هذه الجماعات الإرهابية كانت تظهر وتختفي ثم تعود إلى الظهور من جديد عندما تتاح لها الظروف الزمانية والمكانية لكي تزدهر وتنتشر. لعل هذا هو الجواب السريع على سؤال المقال، لكنه ليس جواباً حاسماً فلا أحد يعلم ما سيحدث في المستقبل على وجه اليقين.

لقد حارب علي بن أبي طالب الخوارج وهزمهم في معركة النهروان سنة 659 م بعد سنة من خروجهم عليه ورفضهم للتحكيم الذي وقع قبيل معركة صفين 658م.

لقد قتلهم علي شر قتلة وأفنى جيشهم – كما تقول كتب التاريخ – ولم يبق ممن رفع شعار: لا حكم إلا لله، بعد معركة النهروان إلا أربعين رجلاً فقط.

يبدو أن المسلمين المعاصرين لتلك الحقبة ظنوا أن معركة النهروان هي نهاية الخوارج وبدأوا يتحدثون كما يتحدث زعماء العالم شرقاً وغرباً اليوم عن نهاية داعش، رغم أن هذا كله ليس إلا wishful thinking تفكيراً رغبوياً عاطفياً لا يستند على واقع ولا عقل ولا تحليل ولا تاريخ.

بعد النهروان ونجاتهم من المذبحة، انطلق الأربعون من الدواعش الأوائل شرقاً وغرباً، ليكونوا الأصل الذي اندلعت منه مدارس الخوارج المختلفة، في كل بلدان العرب والمسلمين. لم تكن تلك الفرق التي تفرعت عنهم مجرد جماعات تعيش في الكهوف والبراري، بل إن نجدة بن عامر الحروري نجح في تكوين دولة، بالمعيار التاريخي لمعنى الدولة في تلك الأيام.

ولد في سنة 36 هـ وفي سنة 66 هـ بويع إماماً على كل المسلمين في زمن الأمويين، مثلما فعل أبو بكر البغدادي.

استولى نجدة الحروري على اليمامة والبحرين، الأحساء حالياً، وخاض حروباً طويلة وامتد نفوذه إلى اليمن وحاول الاستيلاء على مكة والمدينة لكنه فشل في ذلك. ولم يلبث نجدة أن قُـتل على يد خارجي آخر، قتله جنود أبي فديك عبد الله بن قيس التغلبي الذي تولى الإمارة على الخوارج بعد نجدة. نحن أمام طلاب سلطة لا يختلفون عن أي غازٍ آخر.

إنها حركات سياسية تنتحل الدين، بوعي أو بدون وعي، تزدهر ثم تذبل ثم تزدهر ثم تذبل إلى ما لا نهاية. نحن أمام فيروس، إذا وجدت مكوناته فسوف يوجد في المستقبل وسوف يتكرر وجوده دائماً. سيوجد دائماً من ينازعنا على الإسلام ونصوصه، وسوف يدعي أن كل محاولة لقراءة الدين قراءة متسامحة تدعو للعيش المشترك مع الآخر المختلف، هي قراءة مائعة مميعة للدين، وأنه هو من يماك القراءة النزيهة الصحيحة، تلك القراءة التي تدعو لقتل الناس على الهوية أو لاختلاف الدين. وإن كنت تنتمي لنفس الدين، فسيقتلك لأنك من المرتدين. هذا طبعاً بحسب قراءته هو للنص الديني وتفسيره الذي لا يمكن بحال أن يكون علمياً، إنما هي الإسقاطات المتأثرة بالحالة النفسية والظروف السياسية والاجتماعية التي يخضع لها ويتأثر بها ذلك المتطرف.

إنه أمر ليس خاصاً بالمسلمين، فلكل أمة دواعشها، وقد كان النازيون يقتلون اليهود على الهوية في الحقبة الهتلرية المجرمة. سواءً صحت قصة الهولوكوست أم كان الحق مع المؤرخ البريطاني ديفيد إرفنغ الذي قال إن الذين تم قتلهم من اليهود لم يتجاوزا مائة ألف إنسان، في كلا الحالتين، ما قام به دواعش النازية في تلك السنين، هو جريمة كبرى في حق الإنسانية.

يجب ألا ننكر هذا فنسيء بذلك لقضايانا وموقفنا الأخلاقي. وبسبب الداعشية النازية تكللت مساعي الحركة الصهيونية بالنجاح فأقامت كياناً سياسياً عنصرياً إرهابياً على أشلاء الفلاحين العزّل في فلسطين.

العين الأخلاقية المنصفة لن تجد فرقاً بين الداعشي المسلم والداعشي النازي والداعشي الصهيوني الذي يمشي على الجماجم في كيان يدّعي العلمانية، في دولة خاصة بعرق اليهود متحدية بذلك أبسط قيم العلمانية !!!

إذا كانت الإنسانية جادة في مساعيها للقضاء على داعش، فعليها أن تعيد النظر في مشروع السلام الدائم الذي نادى به الفيلسوف العظيم إيمانويل كنْت ومشروعه القائم على أن القانون الأخلاقي لكي يصبح قانوناً، لا بد أن يسري على الجميع. لقد سعى مشروع كنْت للوصول إلى قانون دولي على سطح الأرض يشمل العالم من أقصاه إلى أدناه. لقد اقترح هذا الرجل الصالح أن يتحول الإنسان من الحالة الطبيعية، الإنسان ذئب أخيه الإنسان كما يقول توماس هوبز، إلى حالة مدنية قائمة على الحق المدني والقيم الأخلاقية الموجودة في كل واحد منا قبليّاً، في عقلنا العملي، حيث احترام قيم الحرية والحوار والاستقلالية من خلال سلطة الأمم المتحدة مستقلة القرار.

 رؤية كنْت لمشروع السلام، عبارة عن وعي بضرورة قبول مبدأ التحسن الدائم والتطور الأخلاقي والسير نحو السلام كغاية وليس واقعاً موجوداً بالفعل، وإنما كمثل أعلى يمكن أن يوجد. هذا التصور المأمول يمكن أن يصبح واقعاً موجوداً بفضل الإرادة الخيّرة للإنسان وتطورها المستمر لتحقيق الاستقلالية ولتحقيق الخير العام عن طريق الحق الأول للإنسان، الحرية التي هي مفتاح تحقيق السلام.

إن لم تُدرك الإنسانية هذا، فلن يبقى لنا إلا مقولة "إن عليك ليلاً طويلاً فارقد".