الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الجمعة 26 يناير 2018 / 19:55

ما بين عتب ترامب وغضب عباس!

عباس هو تاجر ذهب يقيس الأمور بدقة، ولكن بوصلته النهائية نحو ربحه الخاص، أما الشعب الفلسطيني فله "رب يحميه "

ما زلت غير قادر على استيعاب تصريح ترامب الذي قال فيه إن الفلسطينيين تعاملوا بازدراء مع الولايات المتحدة برفضهم الاجتماع مع نائبه مايك بنس، خلال زيارته للمنطقة في الاسبوع الماضي.

التصريح يُظهر نوعاً من "الحرد" والعتب عل الجانب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه يحمل بين طياته توطئة لتهديد ووعيد، وبالمحصلة فإنه تصريح متناقض حد الفكاهة، فترامب المتغطرس والمغرور لا يعرف منطق العتاب أو "التلاوم"، فاللغة التي يجيدها هي التهديد ولذلك أكمل تصريحه قائلاً: "عندما أبدوا عدم احترام تجاهنا قبل نحو أسبوع بعدم سماحهم لنائب الرئيس بمقابلتهم، ونحن نعطيهم ملايين الدولارات مساعدات ودعماً، وهي أرقام هائلة، أرقام لا يفهمها أحد، هذه الأموال مطروحة على الطاولة، وهذه الأموال لن تذهب إليهم ما لم يجلسوا ويتفاوضوا من أجل السلام".

ما يهمني في هذا التصريح المتناقض وغير المألوف أمر واحد فقط ألا وهو أن شخصية "بليدة" كشخصية ترامب حسب تحليلات الأطباء النفسيين لحالته، يبدى تأثره من عدم "احترام الفلسطينيين" لأميركا العظمى وتجاهل شخص بمستوى نائب الرئيس"، وهو ما يعني أن الرجل أحس بالصفعة التي وجهها له الفلسطينيون.

لم تغادرني الشكوك تجاه مجمل الحالة الترامبية – العباسية، ومخاوفي تتجه نحو سيناريو متفق عليه لتبادل الأدوار بين الجانبين يجرى تمثيله أمام الشعب الفلسطيني من أجل تبرير عدم وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي يعد من الناحية العملية" أم القضايا وأباها" في الرد على قرار ترامب تجاه القدس والرد على غطرسة نتانياهو.

بحكم الانطباعات التي كونتها من علاقاتي مع قيادات فلسطينية على مدى أكثر من عقدين من الزمن فإن محمود عباس من النوع الذي لا يؤمن بالتحدي ولا بالمواجهة، ولا يجيد فنونهما ويعتبر مواجهة دولة عظمى مثل أميركا "انتحاراً ومغامرة " من الغباء الإقدام عليهما، ولأن هذا هو واقع شخصية عباس وقناعاته منذ أن كان في الصف الثاني بالقيادة الفلسطينية، استبعد تماماً أن يكون قرار مقاطعة مايك بنس تم دون "التفاهم مع إدارة ترامب" وليس بعيدا أن يكون مع بنس نفسه.

يقول أوري أفنيري في مقال له في صحيفة "هآرتس" يوم الأربعاء الماضي تحت عنوان ( المرة الأولى التي التقيت فيها أبو مازن): "كان الانطباع الأول الذي كونته عن أبو مازن، محمود عباس، هو أنه النقيض المطلق لعرفات، الذي كان رجلاً منفتحاً، يحب احتضان الناس وتقبيلهم، وإقامة علاقة قريبة معهم من اللقاء الأول. أما أبو مازن فقد بدا مثل مدير مدرسة، منطوياً على نفسه وبعيداً أكثر. لكن أحببت شخصيته.

ويضيف افنيري: ".... بعد قتل عرفات ( وهذا ما اعتقده على الرغم من عدم توفر إثباتات لدي على ذلك)، عُيّن أبو مازن رئيساً لحركة "فتح" (الحزب)، ولمنظمة التحرير الفلسطينية (عملياً الحكومة). هو ليس عرفات ثانياً، وليس لديه شخصية بطولية، ولا المكانة الدولية للمؤسس. لكن الجميع قَبِل به رئيساً".

ويضيف الفقرة المفصلية في فهم شخصية محمود عباس، قائلاً: أعتقد أن أبو مازن لم يؤمن بجدوى العنف. فهذا ليس من طبعه. وهو يؤمن بالسلاح العربي الأكثر نجاعة: الصبر، والصمود، والتمسك بالأرض، وعدم التنازل عن ميلليمتر واحد، ما يُسمى بالعربية "صمود". وهذه سياسة ليست مشهورة، لكنها مفيدة مع مرور الزمن. لكن حتى رجل مثل أبو مازن يمكن في النهاية أن يفقد صبره. وخطاب "يخرب بيتك" هو دليل على هذه اللحظة.

حاول أفنيري الذي يرتبط بعباس بعلاقة خاصة فيها "الفهم والتفهم" لحالة الرئيس الفلسطيني أن يحفظ له نوعاً من الحضور والحبور. وأشار في المقال إلى انه فقد صبره بمعنى انه أطلق صواريخه على ترامب وقال كلمته التاريخية "يخرب بيتك" .

لقد استشهدت بمقال أفنيري الذي لم يحمل يوما فكراً صهيونيا وكان على الدوام بحكم قيادته لحركة "السلام الآن" على تناقض مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بغض النظر عن هويتها البرامجية أو العقائدية وبالتالي فهي شهادة مهمة للغاية.

يضيف افنيري: "... لكن المجلس( يقصد المجلس المركزي للمنظمة) قرر أيضاً الطلب من القيادة وقف "التنسيق الأمني (مع إسرائيل) بكل صوَره"، وهذا أمر أخطر بكثير. أشك في أن أبو مازن يستطيع فعل ذلك.

هذا تماماً ما أعتقده، فعباس هو تاجر ذهب يقيس الأمور بدقة، ولكن بوصلته النهائية نحو ربحه الخاص، أما الشعب الفلسطيني فله "رب يحميه"!