دبابات تركية الى الحدود السورية.(أرشيف)
دبابات تركية الى الحدود السورية.(أرشيف)
الأربعاء 31 يناير 2018 / 20:11

بحر الرمال

كلما تعثَّرتْ سياسة الإخوان الدموية، التدميرية، في العالَم العربي، سارع أردوغان إلى إعلان ولائه لهم، إلى أن وقف مع مخلب القط الغربي، الدويلة، قطر، التي تحمي جماعات إرهابية، كلها تنتمي إلى الإخوان المسلمين

قبل بدء عملية "غصن الزيتون" العسكرية، والاسم يُناقض بشكل صارخ، هدف أردوغان من دخول قواته في عفرين الحدودية، أعلنتْ الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تسعى لتأسيس "قوة أمن الحدود السورية"، في شمال سوريا وشرقها، بهدف حماية الحدود مع تركيا والعراق. وقالت إن تلك القوة ستتألف من 30 ألف جندي، نصفهم من مقاتلي الأكراد، أي من "قوات سوريا الديمقراطية". على الجانب الآخر روسيا لا تُصنف حزب العمال الكردستاني، كمنظمة إرهابية، وتستضيف مكتباً لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري على أراضيها، وترغب في شراكته لجلسات الحوار السوري في مدينة سوتشي. يبدو الأمر للوهلة الأولى، وكأنّ أمريكا وروسيا، دون قصد، وضعتا أردوغان في حجم أقل بكثير مما يتصوره عن نفسه، وعن أحلام الإمبراطورية العثمانية العائدة. روسيا ربما لديها ثأر مكتوم مع تركيا منذ إسقاط الطائرة الروسية الحربية قرب الحدود السورية 2015، واغتيال السفير الروسي أمام الكاميرات على الأراضي التركية 2016. وقد يصعُب على أردوغان معرفة مَنْ تحديداً، أسقط طائرة تركية حربية في مدينة عفرين، على الرغم من إعلان قوات سوريا الديمقراطية، أنها هي مَنْ أسقطت الطائرة، ربما قوات بشار النظامية، ربما روسيا نفسها، وحتى لو كانت قوات سوريا الديمقراطية، هي مَنْ أسقطتْ الطائرة، فبسلاح الولايات المتحدة الأمريكية، المضاد للطائرات، أي في كل الاحتمالات، سيشعر أردوغان، بأنه مغدور به، ومُتَّفَقٌ عليه بشكل غير مباشر، أن يخوض في بحر رمال الأكراد.

منذ أن أطاح الشعب المصري وجيشه بحكم الإخوان، وهو حكم لم يصمد سوى سنة واحدة، مع إن الإخوان خططوا لحكم مصر 500 سنة، رفع أردوغان أصابعه الأربعة، معلناً وقوفه مع التنظيم، وكلما تعثَّرتْ سياسة الإخوان الدموية، التدميرية، في العالَم العربي، سارع أردوغان إلى إعلان ولائه لهم، إلى أن وقف مع مخلب القط الغربي، الدويلة، قطر، التي تحمي جماعات إرهابية، كلها تنتمي إلى الإخوان المسلمين. إن إرسال دبابات تركية إلى قطر يعني لأردوغان، مُشارَكَة أمريكا في احتلال الدويلة. وبنفس هوس إظهار القوة، دفع أردوغان في 2016 بعملية "درع الفرات"، في مدينة جرابلس، والهدف الظاهر منها مُحاربة داعش، والهدف الباطن الحقيقي، هو منع الأكراد من تحقيق تواصل جغرافي للأراضي التي تواجدوا عليها في شمال سوريا. ثم تأتي عملية "غصن الزيتون" في عفرين، بل وقبل أن يأتي أي تدخل عسكري لأردوغان، بثماره، يقفز إلى الأمام، ويُهدد، ويُحذِّر، ويأمر الولايات المتحدة الأمريكية، بالانسحاب فوراً من منطقة منبج شمال سوريا.

قالت وزراة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إنها ترصد بدقة الأسلحة التي تصل إلى الأكراد، وإنها ستواصل المناقشات مع تركيا. رد الفعل الأمريكي بارد أمام عصبية أردوغان، وكأنّ أمريكا لا تبذل أقل جهد ممكن، لتقول لأردوغان، كلمات معقولة. أردوغان يطلب من أمريكا وقف تسليح الأكراد، فترد عليه: إنها تراقب بدقة تسليح الأكراد. وكأنها تنفي عن نفسها تسليح ودعم الأكراد، وكأنها أيضاً تقول لأردوغان ببرود وعبث: غصْ بقدميك في بحر الرمال، وعندما تشعر بالفشل، وطول مدة الحرب، سنقوم ساعتئذ بتقسيم جغرافي، سايكس بيكو جديد، يروق لنا. وبالفعل أكد ضابط من القوات الخاصة التركية، بأن عملية "غصن الزيتون" في عفرين، لن تكون سهلة، وقال بأن الأكراد يستعدون منذ أشهر. ربما يفكِّر الضابط التركي في الأكراد بأنهم أشد المقاتلين بأساً في مواجهة داعش، لا سيما المحاربات الكرديات الأمازونيات. لكن يبدو أن رجب طيب أردوغان لم يرق له كلام هذا الضابط، فصرَّح أمام حزبه "العدالة والتنمية"، أنه تحدَّث مع الضابط الذي يقود العمليات العسكرية في جبل برصايا بمنطقة عفرين، وعلى الأرجح هذا ضابط آخر، وأخبره أن القوات التركية ستحرر قمة الجبل من الإرهابيين بعد قليل.

التصعيد العسكري قد يفرض تداعيات عديدة، فأمريكا لديها في عفرين ومنبج نحو 1000 جندي، وهناك خبر في بعض وسائل الإعلام عن مقتل جنديين أمريكيين، بسبب القصف التركي، إلا أن الخبر لم يتم تأكيده في وسائل إعلام رسمية أمريكية. بينما روسيا تتعامل وفق سياسة الترقب والانتظار، وتقييم السياسة الأمريكية في سوريا، والتي لا تختلف كثيراً في عهد ترامب، عن سابقتها في عهد أوباما. تأمل أمريكا في إنهاء احتكار روسيا للحل السياسي في سوريا. ربما موسكو ليستْ قادرة وحدها على فرض التسوية السياسية وفقاً لرؤيتها الخاصة، وهذا يفتح شهية أمريكا مرة أخرى، لإعادة الانخراط في سوريا بصورة أقوى. المُفَارَقَة أن تعقيد المشهد السوري يفوق قدرة اللاعبين جميعاً.