الإثنين 5 فبراير 2018 / 08:46

تقرير أممي جانبه الصواب!

سامي الريامي- الإمارات اليوم

سابقة خطيرة أقرها التقرير الأخير الذي أصدرته المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حول الآثار المترتبة على قطر جراء المقاطعة، هذه السابقة هي مصادرة حق الدول في حفظ أمنها القومي، ومصادرة حقها في سيادتها على أجوائها وحدودها، وهذا أمر يتعارض مع أبسط حقوق الدول المستقلة التي أقرتها القوانين الدولية كافة!

وبمجرد إلقاء نظرة فاحصة على التقرير فإنه لن يخفى على أحد ذلك التطابق العجيب بين وجهة نظر المفوضية والمزاعم القطرية، ما يبعد عن المفوضية صفة النزاهة، ويدخلها في دائرة عدم المصداقية، وما يجعل الشكوك تتزايد حول أسرار وخفايا كتابة هذا التقرير، ويجعلها متطابقة تماماً مع تلك الشكوك التي تحوم حول فوز قطر بحق تنظيم بطولة كأس العالم 2022!

إذا كانت حياة البعض قد تأثرت جراء ما اتُخذ من إجراءات حيال قطر من قبل الدول الأربع، وهو أمر لابد من حدوثه في مثل هذه الحالات، فكان حرياً باللجنة أن تركز على مجموعة الأسباب التي أدت إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات، أهمها السلوك القطري الداعم لمنظمات ومجموعات إرهابية، وممارستها لسياسة أقل ما يقال عنها إنها غير متزنة، تثير قلق جيرانها، وتضطلع بتمويل مباشر للإرهابيين في كل مكان، فهل كانت اللجنة تنتظر رؤية جيران قطر وهم يلاحقون إطفاء الحرائق، وانفجاراً هنا وآخر هناك (لا سمح الله) حتى تتأكد أن الخطر داهم من التصرفات والمواقف القطرية؟! وهل منع شخص أو عائلة قطرية من دخول دول المقاطعة أخطر وأكثر ضرراً من تدمير الدول العربية، وقتل مئات الآلاف بأموال قطرية، وتشتيت وتهجير الملايين في سورية وغيرها؟ ألا ساء ما يحكمون!

يبدو أن اللجنة لم تسمع عما يُعرف بالإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول، وهي تدخل في سياق الحفاظ على المصالح العليا، بغض النظر عن النتائج التي تنعكس على الأطراف المتسببة في خلق المشكلات، ويبدو أنها لم تقرأ التاريخ والأحداث الشبيهة السابقة التي اتخذتها دول عظمى بمباركة من الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتحت غطاء الحفاظ على الأمن القومي، ولم تطلع على الأمثلة الكثيرة التي تؤكد حق الدول في اتخاذ إجراءات المقاطعة كعقوبة ضد دول أخرى بسبب تهديد مصالحها أو أمنها أو الأمن والسلم الدوليين، أو لم تسمع عن العقوبات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية ضد كل من كوبا والعراق والسودان وفنزويلا وليبيا وروسيا وغيرها، بل إن أميركا غزت غرينادا زمن الرئيس رونالد ريغان بتهمة أنها معقل للشيوعية، كما سمحت الإدارة الأميركية لنفسها بالقبض على الرئيس البنمي دانييل نورييغا وهو في سدة الرئاسة بتهمة إسهامه في إغراق الولايات المتحدة بالمخدرات، وهذا أكبر دليل على أن إجراءات المقاطعة التي اتخذتها الدول الأربع ضد قطر ليست سابقة تاريخية، بقدر ما كان التقرير الصادر عن هيئة أممية يمثل سابقة في سطحيته وانحيازه وتجاهله لبنود القانون الدولي، ولجوهر القضية، متغافلاً كل أسباب المشكلة مع قطر، وتركيزه على نتائج هامشية!

غريب جداً، بل مضحك جداً، تركيز تقرير اللجنة على ما سماه "التحريض الإعلامي" من قبل دول المقاطعة، في حين لم يلتفت من قريب أو بعيد للإعلام القطري، وما تمارسه قناة الجزيرة من تحريض "يومي" ضد دول المقاطعة ليل نهار، ولم يسمع عن تحريض القرضاوي وغيره من أبواق "الإخوان" ضد حكومات هذه الدول، ثم لا نعرف إن كان محرماً على الدول غلق أجوائها أمام طائرات دول معادية، أليست هي صاحبة السيادة على أرضها وسمائها؟!

دول المقاطعة الأربع تهمها مصالح الشعب القطري مثل مصالح شعوبها، وعوامل الارتباط بين شعوب المنطقة تتعدى أسباب الفرقة بكثير، والشعب القطري له كل الاحترام، ولا أحد يسعى لإلحاق الضرر به، لكن المشكلة الحقيقية مع الحكومة القطرية غير المنسجمة في سياساتها وسلوكها مع سياسات دول الإقليم، بل الساعية إلى تخريب مستقبل هذه الدول من خلال إقامة التحالفات مع خصومها وأعدائها، وهو موقف لم يلقَ، ولن يلقى الترحيب من أحد مهما كانت التقارير الأممية منحازة لهذا الطرف أو ذاك، وبغض النظر عن علوّ الصراخ القطري الذي لا يُسمع ولا يُقنع أي شخص عاقل!