الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أرشيف)
الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أرشيف)
الإثنين 5 فبراير 2018 / 18:59

تحضر الكوفية.. ويغيب دفتر الشيكات!

لم أعرف فلسطينياً لا يرتدي أو يحتفظ بكوفية واحدة على الأقل، ولم أر فلسطينياً لا تطربه أغنية "علّي الكوفية". ومن يحاول البحث في علاقة الفلسطيني بالكوفية يخلص إلى أن هذا الرداء تحول إلى وطن محمول على الرؤوس أو على الأكتاف.

أين الأثرياء الفلسطينيون وأين رأس المال الفلسطيني الآن؟ وما هو الدور الطبيعي لرأس المال الوطني، إذا جازت التسمية والتعريف، في ظل تجفيف منابع الدعم للصمود الفلسطيني على الأرض، وفي ظل التضييق على الأونروا

للكوفية رمزية طاغية لدى الفلسطينيين فهي دلالة الانتماء وبطاقة التعريف وعلامة التذكير بالوطن في الحزن وفي الفرح وفي الانكسار وفي الانتصار. وهي أيضاً دلالة الموقف الثوري حين يرتديها غير الفلسطيني في البلاد القريبة والبعيدة.

لكنها، على قدسية رمزيتها، تهان كثيراً حين يرتديها أصحاب رأس المال والتجار ووكلاء البضاعة الأمريكية، وحين تتحول إلى ثوب قصير في العروض التي تنظمها دور الأزياء في عواصم الدول المسكونة بالفقر والقمع والحزن المقيم.

كان الراحل ياسر عرفات هو من جعل الكوفية رمزاً للوطن، وكان حريصاً على ارتدائها بطريقته الخاصة التي تعطيها شكل خريطة فلسطين، فصارت كل كوفية فلسطين صغيرة، لكنها واضحة تماماً بأبيضها وأسودها، ولا رمادي فيها.

استحضر الكوفية وأنا أتابع صورها على أكتاف الأصلاء من البرلمانيين العرب الذين يقفون بشجاعة مع الحق الفلسطيني في كل المحافل، وعلى رؤوس المتظاهرين والمعتصمين أمام سفارات إسرائيل، وأرى شباباً وصبايا عرباً يلفونها حول أعناقهم التي لا تنحني وهم يشاركون في المهرجانات الدولية.

أستحضرها أيضاً وأنا أتذكر ارتداء أثرياء فلسطينيين لها فوق بدلاتهم الفاخرة وهم يشاركون في مؤتمرات تجارية وفي برامج تلفزيونية لاكتشاف المواهب، حيث يحرص الأثرياء على الظهور أمام الكاميرات وكأنهم صانعو ثورات، لكنهم يستنكفون عن المشاركة في حملات الدعم لفلسطين في ذروة حصارها ومحاولة تجويع أهلها.

أين الأثرياء الفلسطينيون وأين رأس المال الفلسطيني الآن؟ وما هو الدور الطبيعي لرأس المال الوطني، إذا جازت التسمية والتعريف، في ظل تجفيف منابع الدعم للصمود الفلسطيني على الأرض، وفي ظل التضييق على الأونروا ودفعها لإغلاق مدارسها وعياداتها الصحية في مخيمات اللجوء في الوطن وفي دول الجوار؟

لماذا يحضر الأثرياء الفلسطينيون في المناسبات السياسية وفي حملات الترشيح للرئاسة، ويغيبون في لحظات الاختناق؟
يعتقد البعض أن هناك تضخيماً متعمداً لحجم رأس المال الفلسطيني ومدى قدرته على تعزيز الصمود الشعبي، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكنه لا يعني أبداً عدم وجود رأس مال قادر على تقديم الاحتياجات الأساسية للصمود.

ثم، كيف يمكن التصديق أن رأس المال الفلسطيني عاجز عن تغطية العجز في ميزانية الأنروا وهو عجز يقدر ببضع عشرات من الملايين، بينما بيننا من يمتلك المليارات؟ ولماذا يجب أن تتغير مناهج التعليم في مدارسنا لكي تعترف قسراً بشرعية الاحتلال حتى يجود علينا دونالد ترامب بستين مليون دولار؟!

من الواضح أن رأس المال يختصر دوره في ارتداء الكوفية، ومن الواضح أيضاً أنه عندما تحضر الكوفية يغيب دفتر الشيكات، ويتم الترويج والدعاية للأثرياء ومستثمري حقبة أوسلو مجاناً وعلى حساب فقر الجموع من أهل البلاد الذين يقبضون على جمر الصمود.

في أزمان سابقة، أعني عندما كانت للفلسطينيين قيادة تاريخية، كان لرأس المال دور وطني، يؤديه الأثرياء طوعاً أو رضوخاً لقرار. وكان الشهيد صلاح خلف يعرف تماماً كيف يجعل هؤلاء شركاء في المشروع الوطني.

أما الآن فقد استبدل هؤلاء مشاريع دعم الصمود بمشاريع الشراكة التجارية وتقاسم الوكالات مع أهل القرار السياسي والأمني.

مطلوب من رأس المال الفلسطيني أن يواجه استحقاقات المرحلة، وعلى الأثرياء الكبار أن يدفعوا ضريبة الانتماء.. وأن يشعروا بالخجل.