مسعفون يحاولون مساعدة مصاب بالاختناق في إدلب (أرشيف)
مسعفون يحاولون مساعدة مصاب بالاختناق في إدلب (أرشيف)
الثلاثاء 6 فبراير 2018 / 20:24

البحث عن سرّ أمريكا في إدلب

ولَّدت الحرب الأمريكية على داعش، باعتبارها "حرباً على الإرهاب"، معارك أصغر وأكبر، دون فواصل زمنية تستند إلى مبررات سياسية. وما يصح على أمريكا وحلفائها يصح على روسيا وحلفائها. وحدها، تركيا يحركها قلقها المزمن من الأكراد، في الداخل التركي، وعلى حدودها الجنوبية، امتداداً إلى كردستان العراق.

بينما أخذت موسكو زمام المبادرة للقضاء على ظاهرة خروج محافظة إدلب عن الطاعة، تحاول موسكو وحلفاؤها القول إنها أنجزت ما يتيح لها الدفع إلى حل سياسي، وإن إنجازها لا يقل عن المنجز الأمريكي في منبج والرقة

والحرب على إدلب ليست آخر الحروب على "الإرهاب"، لكنها حرب يعتقدها النظام وحلفاؤه بداية السيطرة على "جيب إرهابي" تملأه هيئة تحرير الشام "جبهة نصرة أهل الشام" بالتناكف مع فصائل أخرى متمردة على اتفاق "تخفيف التوتر" في إدلب، ومن بينها فصائل معارضة موالية لتركيا.

هذا التداخل بين العدو والصديق من الفصائل المعارضة، وبين العدو والصديق التركي - الروسي، في صيغة حليف هنا، وعدو هناك، لا يمكن تفسيره إلا بالنظر إلى الفاعل الأمريكي، فكل القوى تخشى من "خطوط حمراء أمريكية" سياسية وعسكرية، دون أن تعرف هذه القوى ما هي هذه الخطوط، بمن فيهم تركيا وروسيا.

وفي الحرب على إدلب، ليس من الممكن إلا توقع حروب انتقامية متتابعة، بدأت تتصاعد وتيرتها، بالتوازي مع نتائج سوتشي غير الفاعلة، حتى لو لم تسقط طائرة "سوخوي 25" الروسية ويتم قتل طيارها، فغياب الاستراتيجية عن الأخوة الأعداء من الفصائل المعارضة تجعل حادثة السوخوي مصادفة قد تتكرر أو لا تتكرر. ومهما كانت درجة الإعداد لإحراج روسيا بسقوط الط ائرة، فلا يمكن توقع وجود حلقة أخرى لهذه الحادثة، وبالتالي سنجازف إذا قلنا إن صاروخاً حرارياً أسقطها، على غرار ما حدث في مرات كثيرة خلال السنوات السبع الماضية، حيث تبين في كل مرة أن تلك الحوادث مقطوعة من سياق، ولا ترقى إلى درجة اعتبارها حتى تكتيكاً في كل المعارك السابقة.

لكن، يمكن الحديث هنا عن استسهال الطيار الروسي التحليق على علو منخفض في متناول المضادات الأرضية، وهذا يدل على ثقة مفرطة بالنفس اكتسبها هذا الطيار نتيجة عدم نجاح مقاتلي المعارضة كثيراً في إسقاط الطائرات التي تعتمد على الرماية القريبة على السيارات والأفراد، ما أوهم الطيار أن انخفاضه آمن في سماء سراقب.

وبعد أكثر من عام من الاطمئنان في حلب، وهندسة "مناطق خفض التوتر" هنا وهناك في "سوريا المفيدة"، تقلصت قدرة مقاتلي المعارضة السورية على خوض معارك كر وفر يكسبون فيها جولة، أو يسيطرون فيها على مدينة. وبينما أخذت موسكو، مدعومة بالنظام الأسدي والميليشيات الإيرانية و"حزب الله"، زمام المبادرة للقضاء على ظاهرة خروج محافظة إدلب عن الطاعة، تحاول موسكو وحلفاؤها القول إنها أنجزت ما يتيح لها الدفع إلى حل سياسي، وإن إنجازها لا يقل عن المنجز الأمريكي في منبج والرقة بعد تحييد داعش عن حكم هاتين المدينتين.

هذا لأن السباق المعلن بين روسيا وأمريكا هو "محاربة الإرهاب". فروسيا تمسك برقبة النظام بين يديها. وأمريكا غير حريصة على الأرض، إلا إذا اعتبرنا أنها استبدلت "بعبع" داعش، بـ"بعبع" الأكراد، ليكون لها ما أرادت في كلا الحالتين، كون الهدف هو الفوضى بالوكالة، وكالة لداعش مرة ووكالة للأكراد مرة، دون تمميز بين الفريقين ما دام وجودهما سيؤمن الاستمرارية لصراع في المناطق التي غادرها تنظيم داعش قبل أن تسيطر عليها القوات الكردية المكونة لتنظيم "قسد"، قيادات وعديداً.

وهذه لوحدها غاية أمريكية مجربة وناجحة، وفق منطق السياسة الأمريكية، تضاف إلى تاريخ إنجازاتها في زرع قلق "الفوضى الخلاقة" في المناطق التي تمر بها، سواء دفعت تكلفة لذلك أو لم تدفع.

ففي حالة دعمهم لقسد، لم يدفع الأمريكان سوى بعض السلاح، وبعض المال، الذي لا يُقارن بالتكلفة المفترضة لو خاض جنود أمريكا الحرب بالأصالة عن أنفسهم.

في إدلب الآن، قصف بالمتفجرات من النظام وحلفائه، وتورط للأخير باستخدام جديد لكيماوي الكلور السام. لكننا لا نتوقع رد فعل عملي أكثر من الجعجعة الأمريكية والأممية، فإدلب منطقة روسية لا رغبة أمريكية في دخولها، أو قصفها عن بعد، مثلها مثل عفرين التي تتعرض لهجوم تركي دون أن تسعف أمريكا حلفاءها الأكراد حتى لفظياً. لذا، من المبكر الآن توقع قصف أمريكي لأحد مطارات النظام الأسدي، كما حصل في مطار الشعيرات قبل عشرة أشهر، 7 أبريل(نيسان) 2017.

وقبل كل شيء، لو كانت أمريكا تفكر جدياً في إجبار النظام الأسدي على الرحيل لفعلت ذلك قبل سبتمبر (أيلول) 2015، ولسبقت خطوة روسيا بإنشاء قواعد لها في سوريا تريدها دائمة، أو مديدة.

وفي الخلاصة، أمريكا تسمح في سوريا بما يمكنها أن تسمح به، قبل سوتشي، وقبل أستانة، بل وقبل مسلسل جنيف السوري، وما بعده، بدليل علاقتها مع تركيا والأكراد، وعلاقتها مع روسيا بالاتفاق على رسم مناطق النفوذ، والتفاهم على تجنب أي اصطدام بينهما. وسوريو المعارضة ليسوا استثناء من ذلك الذي تسمح به أمريكا، أو تسكت عنه.