مخلفات قصف إسرائيلي لقاعدة في سوريا (أرشيف)
مخلفات قصف إسرائيلي لقاعدة في سوريا (أرشيف)
الأربعاء 7 فبراير 2018 / 20:22

تحييد لبنان... مجدداً

إن لم يكن بإيقاع يومي، فكل يومين على الأكثر تطالعنا الصحف الإسرائيليّة بتهديد ما للبنان. والتهديدات غالباً ما تكون منسوبة إلى تقارير استخبارية، أو مصادر وثيقة الصلة بصنع القرار في الدولة العبريّة.

الشيء الوحيد الذي يحظى اليوم بالفائدة والمعنى، بل الإلحاح، هو طرح مسألة التحييد اللبنانيّ كشرط لتجنّب الحرائق الكبرى التي تقترب من لبنان. لكنّهم – في أغلب الظنّ – لن يفعلوا

مرةً، هناك مخاوف من عمل عسكريّ مشترك ينفذه حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينيّة انطلاقاً من جنوب لبنان، لأن حماس، وفقاً لتلك الرواية، باتت عاجزة عن إيذاء إسرائيل انطلاقاً من قطاع غزّة.

ومرةً أخرى، هناك مصانع إيرانية للصواريخ في مناطق لبنانية يسيطر عليها حزب الله، ومصانع كهذه لا بد من ضربها.
ومرةً ثالثة، وعلى لسان الوزير أفيغدور ليبرمان، قد يتمّ إنزال سكّان بيروت إلى الملاجئ...
وأخيراً وليس آخراً، هناك أدوار وسيطة، وإن مداورة، تلعبها الإدارة الروسيّة بين طهران وتلّ أبيب تفادياً لصدام خطير في لبنان.
وهكذا دواليك...

لكن الشيء الوحيد المؤكد، وهو ما تدلّ إليه الغارات الإسرائيلية المتكرّرة على المنطقة الممتدّة من دمشق إلى الحدود الجنوبية لسوريا، أن المنطقة تدخل طور مواجهة كبرى قد لا تستطيع الديبلوماسية الدولية إعفاءنا منها: موضوعها الحصري هو موقع النفوذ الإيراني في سوريّا. ذاك أن طهران، وبعد كل ما استثمرته في الحرب السورية، لن تنكفئ عن المشرق العربي من دون أن تحظى بمكافآت ومكاسب كبرى. وبدورها، فإن تل أبيب حاسمة في أنها لن تسمح بمثل ذاك التطور لأنّه يضاعف نوعياً احتمالات التهديد لأمن إسرائيل.

العوامل الأخرى الباعثة على القلق ليست ضئيلة ولا بسيطة:
ففي حال تحقق سيناريو الرعب الموصوف أعلاه، سيكون من شبه المستحيل إبقاء لبنان بعيداً عن المواجهة، لا سيما إذا صحت رواية مصانع الصواريخ الإيرانية. فالحدود متصلة ومتداخلة بين لبنان وسوريا، وقد يكون من المفيد عسكرياً للقوى المتصارعة توسيع رقعة المجابهة. وبعد كل حساب، فإن وجود حزب الله في البلدين يرفع هذا الاحتمال كثيراً.

ولئن بدا الروس حريصين على الظهور بمظهر المهدئ والوسيط غير المباشر، فهذا لا ينفي إشارات متكاثرة إلى أن تل أبيب حصلت على "ضوء أخضر روسي" في الزيارة الأخيرة التي قام بها بنيامين نتانياهو إلى موسكو، التي زارها بالمناسبة، مراراً في السنوات القليلة الماضية.

ثم هناك التحولات الأمريكية في اتجاه سياسات أكثر تشدداً على جبهات عدة قد تكون سوريا أهمها. فواشنطن، على رغم علامات التفكك في سياستها الخارجيّة، هي التي بات خصومها يحملونها مسؤولية إفشال الخطط الروسية لسوريا، وآخرها مؤتمر سوتشي، مع الميل المتزايد للتصعيد العسكريّ في الشمال. وهذا، وفقاً لبعض المراقبين، إنّما يستهدف الموقع الإيراني أكثر مما يستهدف روسيا بذاتها.

وإذا كان إمعان النظام السوري في انتهاكاته الكبرى، وآخرها استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية، يرفع بدوره حظوظ التصعيد، فكذلك تفعل أزمات الائتلاف الحكومي في إسرائيل، ونتانياهو الملطخ بالفساد شخصياً.

حيال هذا العناصر جميعاً تبدي الفئات الحاكمة في لبنان ما يشبه صمت القبور. فسياسة "النأي بالنفس" لا تعدو كونها تعبيراً إنشائياً ضئيل المعنى، فيما التلهي بالتفاهات الصغرى ماضٍ على قدم وساق. وإذ تقترب الانتخابات النيابية الموعودة، يتعاظم انكباب القادة السياسيين على شحذ العصبيّات الطائفية وتأجيجها، مع طمر الرؤوس في الرمل حيال المسائل الوطنية والوجودية الكبرى.

إن الشيء الوحيد الذي يحظى اليوم بالفائدة والمعنى، بل الإلحاح، هو طرح مسألة التحييد اللبناني كشرط لتجنب الحرائق الكبرى التي تقترب من لبنان. لكنهم، في أغلب الظن، لن يفعلوا.