تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الجمعة 9 فبراير 2018 / 20:06

مكرهون على الحب

لقد كان الفالانتاين حراماً. ولأنه كان حراماً، تمردنا بعناد وصبيانية، على الرغم من استعدادي الآن للمراهنة على أن 99% من الطالبات لم يكن لديهن من يحتفين بمحبته أصلاً

قبل 12 عاماً، حينما كان عالمي أصغر بأخياره وأشراره، لم تعنني كثيراً طيبة الذكر روزا باركس بإصرارها على الجلوس في مقدمة الحافلة. إن البطلة الحقيقية بالنسبة لي، والقدوة التي تستحق أن أنهض لأصفق لها لإقدامها على تغيير مجرى التاريخ، كانت تلك الزميلة التي تجرؤ على ركوب حافلة المدرسة صبيحة عيد الحب مرتدية اللون الأحمر.

لا أستطيع أن أصف لكم حالة الاستنفار التي كانت تعمّ مدرستي الثانوية مع دنو الـ14 من فبراير(شباط) من كل عام دون أن أنفجر ضحكاً، وغالباً لأني أتذكّر ارتجاج اللحوم والأساور الذهبية في أذرع المعلمات الفاضلات وهي تمتد لمصادرة كل ما اصطبغ باللون الأحمر، ناهيك عن انهمار أمطار "الأسيتون" على من لطّخت أظافرها بذلك اللون اللعين.

لقد كان الفالانتاين حراماً.

ولأنه كان حراماً، تمردنا بعناد وصبيانية، على الرغم من استعدادي الآن للمراهنة على أن 99% من الطالبات لم يكن لديهن من يحتفين بمحبته أصلاً، ولم تتجاوز طموحاتهن نجاح راقص "اليولة" المفضل لديهن في برنامج "الميدان".

لقد كانت "فشة خلق" -كما يُقال بالعامية اللبنانية الجميلة- على ذلك السجن الذي حبسنا فيه الساعون إلى تقسيم كل شيء من حولنا إلى حلال وحرام، وكل أحد إلى صالح وفاسق.

ولكن لقد مرّت أعوام طوال منذ تلك الثورة السنوية التي غالباً ما كانت تنتهي برفع سماعة الهاتف لمحادثة أمهاتنا، ومن المفترض بنا أن نكون قد كبرنا، بل وتعلمنا من الدرس القيّم، عوضاً عن أن نسعى بدورنا الآن إلى حشر هذه البشرية جمعاء في خانتي "الدعشنة" و "الليبرالية" الضيقتين، ناهيك عن أن نكون قد اتفقنا أساساً على تعريفهما!

سأفترض إذاً بأنه قد مضى ما يكفي من الوقت منذ "فشة خلقنا" اللطيفة، لأعترف بأني شخصياً أمقت عيد الحب. نعم أكرهه، لأنه استهلاكي يفوح منه عفن الرأسمالية، واكتظاظ الأماكن العامة بمن دفعوا أضعافاً مضاعفة ليتصنّعوا الفرح.

ولأننا نضجنا منذ "فشة خلقنا" العتيدة، سأفترض بأني لن أُصنّف بسبب اعترافي هذا في خانة التشدد، أو أُحرم من حقي في أن أظل إنسانة منفتحة الذهن، محبة للحياة، ومتقبلة للاختلاف. كما سأفترض بأن قدرة المرء منا على نشر صورة لعناق حميمي بين شخصين، مرفقة بأشعار نزار قباني، لم تعد تُعتبر مؤشراً فعليا على معاداته للرجعية والانغلاق الفكري، واحترامه لخيارات الآخرين.

ولأننا تخرجنا بالفعل من صفوف "فش الخلق" والكبت، فمن الواجب بهذه القناعة البسيطة ألا تقتصر على عيد الحب، فما هو إلا مثال أردت ذكره.

لنتجاوز شعورنا السابق بالقهر أمام أساتذة هذا العالم ومدرائه –وأعني ذلك مجازاً-. لنضع قوانينهم المتعنتة خلف ظهورنا، وعقوباتهم المفرطة في درج النسيان. لا يمكن أن تظل كل تصرفاتنا ردود أفعال غاضبة، فذلك الذي تصبغه بالأحمر تحدياً وعصياناً لم يعد مريول مدرستك المضجر.

استيقظ، لقد كبرت.