صورة تناقلها ناشطون لما قالوا غنها الطائرة الإسرائيلية التي اسقطتها سوريا.(تويتر(
صورة تناقلها ناشطون لما قالوا غنها الطائرة الإسرائيلية التي اسقطتها سوريا.(تويتر(
الأحد 11 فبراير 2018 / 19:56

التصعيد الأخير في سوريا

ما يرى فيه الإسرائيليون مصلحة أمنية وسياسية في سوريا يتمثل في الحيلولة دون تحويل سوريا إلى ورقة في لعبة الإيرانيين الإقليمية في الشرق الأوسط، مع كل ما ينطوي عليه أمر كهذا من وجود قوّات إيرانية، وميليشيات تأمر بأوامر طهران

لا يحتمل مسرح العمليات السوري، منذ سبع سنوات، التبسيط. وهذا ناجم عن تعدد القوى المنخرطة في الصراع، وتباين أهدافها ومصالحها التكتيكية والاستراتيجية. فما بدأ قبل سبع سنوات كثورة، تحظى بدعم قطاع واسع من السوريين، على نظام آل الأسد، يتجلى الآن كلعبة تراجع فيها دور القوى المحلية، بما فيها النظام نفسه، ليصبح صراعاً بين قوى إقليمية ودولية تتخذ من الأرض السورية مسرحاً لتحقيق المصالح، واختبار القوّة، وتصفية الحسابات.

وعلى خلفية كهذه يمكن التفكير في الغارات الإسرائيلية، على أهداف في سوريا، يوم أمس (السبت) قيل إنها كانت الأعنف منذ العام 1982. مبرر الغارات، كما ذكر الإسرائيليون، طائرة إيرانية مُسيّرة اخترقت الحدود. ولكن هجوماً بهذا الحجم لا يمكن أن يكون ابن لحظته، بل يحتاج إلى حسابات عسكرية وسياسية سبقته بوقت طويل.

ولعل في هذا ما يعيدنا إلى حسابات إسرائيل العسكرية والسياسية إزاء الحرب في سورية وعليها، منذ سبع سنوات، انطلاقاً من فرضية أن إسرائيل، ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الصراع بين النظام والمعارضة، نظرت إلى نفسها كلاعب رئيس يحتاج لبلورة تصوّرات سياسية وعسكرية لدورها في الأزمة السورية.

وقد مرّت تلك التصوّرات والسياسات بمراحل مختلفة، فما كان صحيحاً في بداية الصراع لم يعد كذلك الآن. وفي هذا الصدد يمكن القول إن الإسرائيليين لم ينظروا بارتياح إلى احتمال سقوط نظام آل الأسد في السنوات الأولى للصراع، ليس لأنهم يحبونه، ولكن لأن نظام الأب والابن كان عدواً عاقلاً، والتزم بدوره في التفاهمات الضمنية معهم. أما دافعهم الثاني فتمثل في حقيقة أنهم لا يعرفون قوى المعارضة، ولا يثقون بها، أو حتى بقدرتها على بسط سيطرتها على الأراضي السورية، وتأمينها، واحترام التفاهمات الضمنية، والتقليدية، مع آل الأسد.

لذلك، ومع فتح خطوط مع قوى من المعارضة، وتأمين خدمات طبية، وأشكال مختلفة من الدعم اللوجستي، إلا أنهم، ومن خلال علاقتهم الاستراتيجية بالأمريكيين، أسهموا في الحيلولة دون تكرار السيناريو الليبي في سوريا. وكان خيارهم في السنوات الأولى استنزاف النظام والمعارضة على حد سواء، دون تمكين أحدهما من القضاء على الآخر بطريقة حاسمة.

ولكن الدعم الإيراني للنظام، وانخراط قوى غير نظامية تأتمر بأوامر الإيرانيين، في القتال إلى جانب النظام، والتدخّل الروسي الهائل، بالمعنى العسكري والسياسي، نقل الموقف الإسرائيلي من خيار الاستنزاف إلى خيار الطرف الذي يرى ضرورة استشارته، وتلبية مصالحه الأمنية والسياسية، في كل تسوية محتملة، أو اقتسام للنفوذ على الأراضي السورية بين الأمريكيين والروس والإيرانيين والأمريكيين.

وما يرى فيه الإسرائيليون مصلحة أمنية وسياسية في سوريا يتمثل في الحيلولة دون تحويل سوريا إلى ورقة في لعبة الإيرانيين الإقليمية في الشرق الأوسط، مع كل ما ينطوي عليه أمر كهذا من وجود قوّات إيرانية، وميليشيات تأمر بأوامر طهران، ومن حقيقة تحالف نظام آل الأسد مع الإيرانيين. وفي سياق كهذا يُهدد الإسرائيليون بإفساد كل تسوية محتملة لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار. وقد ظهرت دلائل مختلفة على التحوّل في السياسة الإسرائيلية مع تحسّن وضع النظام على الأرض، ووصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض.

وليس من السابق لأوانه القول إن التدخل العسكري الروسي، في سوريا، كان الحدث الأهم في قلب معادلات كثيرة، بالنسبة لمختلف اللاعبين، في مسرح العمليات السوري، ومن بين هؤلاء إسرائيل، التي لا تستطيع المجازفة بمجابهة مباشرة مع الروس، وفي الوقت نفسه لا يمكنها تجاهل ما طرأ على الصراع في سوريا وعليها من تغيّرات بعد نزول الروس على الأرض. وثمة أسئلة استراتيجية لم تجد إجابتها بعد من نوع: إلى أي حد يمكن أن يذهب الروس في علاقتهم مع النظام والإيرانيين، وإلى حد يمكن لإسرائيل بلورة تفاهمات ضمنية مع الروس بشأن الحدود، والأمن، والميليشيات، والإيرانيين، ونقل أسلحة متطوّرة إلى حزب الله في لبنان.

لذا، في الضربات العسكرية يوم أمس (السبت) كما في ضربات سبقتها، ما يشبه محاولات لجس النبض، والعثور على إجابات عملية لأسئلة كهذه، واختبار دلالتها الاستراتيجية. مثلا، حرص الإسرائيليون يوم أمس، على القول إنهم أبلغوا الروس بتلك الضربات، واليوم (الأحد) لم يتردد بعض معلّقيهم في القول إن ردة فعل الروس، على تلك الضربات، تدل على انحيازهم إلى جانب النظام والإيرانيين.
من السابق لأوانه الخروج بخلاصات سريعة، في هذا الشأن. وعلى الرغم من حقيقة أن تلك الضربات غير مسبوقة، من حيث الحجم والكثافة، إلا أن اندلاع حرب إقليمية كبرى لا يلوح في الأفق، في الوقت الحاضر على الأقل.

وتبقى مسألة أخيرة: كان من المتوقع أن تنشر الشرطة الإسرائيلية اليوم (الأحد) نتائج التحقيق، والتوصيات، بشأن اتهام رئيس الوزراء نتانياهو بالرشوة. ومع ذلك، وعلى ضوء التصعيد العسكري الأخير، ستجتمع قيادة الشرطة اليوم (الأحد) لدراسة احتمال التأجيل. ولعل في هذا ما يوحي باحتمال أن يكون التصعيد العسكري جزءاً من محاولة نتنياهو تفادي أزمة داخلية قد تُلحق في حال تقديم أدلة كافية الكثير من الضرر بمستقبله السياسي.

بمعنى آخر، تتداخل وتتفاعل في مشهد التصعيد العسكري الأخير، على الأرض السورية، حسابات محلية، وشخصية أحياناً، مع حسابات إقليمية ودولية مُعقّدة، في مسرح عمليات على رمال مُتحركة، سمته الرئيسة انسداد الأفق، وتعدد القوى، وتباين المصالح.