تعبيرية.(أرشيف)
تعبيرية.(أرشيف)
الإثنين 12 فبراير 2018 / 20:01

ما وراء الانتخابات اللبنانيّة

الصوت التفضيلي حاسم. فالفائز يحظى بنسبة من الأصوات التفضيلية، كلّ حسب طائفته. السنّي ينافس المرشّحين السنّة وكذلك الشيعيّ والدرزيّ والماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي. إنّها هكذا معركة داخل الطوائف، فكيف يمكن أن نقيس ديموقراطيتها؟

يعتبر سياسيون لبنانيّون أنّهم بالوصول إلى النسبيّة كقانون جديد للإنتخابات، حقّقوا الديموقراطيّة في أكمل صورها. فالنسبيّة هي بين النظم الإنتخابيّة الأكمل والأكثر ديموقراطيّة. كان هذا ليصحّ لولا أنّ الطائفيين لا يقلّون سروراً بالنسبيّه من الديموقراطيين. الأمر الذي يجعل من قانون الإنتخابات ملتبساً من هذه الناحيه لتقاطعه مع النظام الطائفي، ولكونه لذلك، وفي الوقت نفسه، الأكثر والأقلّ ديموقراطيّة.

يمكننا العودة إلى النظام الإنتخابي فاحصين ومحققين. سنجد عند ذاك أنّ النظام هو أيضا الأكثر طائفيّة، وأنّه لذلك بدعة بين الأنظمة النسبيّة، وأنّه يحيّر في أهدافه وأوائله. النظام مثل أي نظام نسبيّ لا يجعل الفوز بالإنتخابات عن مقعد وأكثر رهناً بالغلبة ولو بصوت واحد. إ نّه يعطي الأقليّة، اي التي دون الصوت الواحد بأيّ نسبة وبأيّ عدد، ما يوازي نسبتها من الأصوات. هذا بطبيعة الحال أكثر إنصافاً ويجعل الجمهور كلّه ممثّلا بأكثريّته وأقليّته. لابد أنّ أمراً كهذا سيغيّر من طبيعة النتائج وربّما يؤدي بالتدريج إلى تغيير في الطبقة السياسيّة نفسها، من ناحية الأفكار والتوجّهات والإنتماء الطبقي والسياسي، وقد يكون التغيير ضمن الطائفة نفسها. هذا بدون شك يشجّع على التغيير بل يجترحه. ربمّا لذلك يمكن للديموقراطيّة اللبنانيّة أن تغدو مثالاً فريدا في العالم العربيّ، ويمكن للنظام النسبيّ أن يغدو رائداً.

لكنّ هذا ليس كلّ شيء. الأرجح أنّ الغرض من النظام النسبيّ الذي يوصي بأن ينخرط المرشّحون في قوائم، و بأن يقتصر التصويت، التصويت الفردي، على اللوائح التي تضمّ كلّ واحدة منها عدداً من المرشحين من أكثر من طائفة، فالنظام الإنتخابي يعطي لكلّ طائفة عدداً من النوّاب تبعاً لمناصفة بين المسلمين والمسيحيين. يتوزّع انطلاقا منها المسلمون والمسيحيون بالنسبة لطوائفهم. لكلّ طائفة عدد من النوّاب يتوزّع على المناطق الإنتخابيّة بعدد مرقوم سلفاً، وعلى اللائحة أن تضمّ من الطوائف هذه الأرقام. اللائحة في المنطقة الإنتخابيّة تضمّ إذن مرشّحين معدودين من الطوائف. قبل النظام النسبيّ الجديد كان المقترعون بصوّتون لمرشحين يختارونهم من الطوائف المتعدّدة، لكن المقترعين هم أيضاً من كافّة الطوائف، وقد ينتخبون من الطائفة الأخرى المرشّح المتحالف مع المرشّح المفضّل من طائفتهم. هكذا يُنتخب النائب المسيحي مثلاً من جمهور غالبيته مسلمة، وعليه أن يحافظ لذلك على تحالفه مع شريكه المسلم وأن يتنازل له عن مواقف قد تخصّ طائفته. عليه أيضاً أن يراعي الجمهور المسلم في مواقفه وسياسته، وبالتالي أن يختطّ سياسة إسلاميّة ولو لم يكن مسلماً. نائب كهذا، وهناك نسبة معدودة مثله، يمثل المسلمين رغم إنتمائه المسيحي. لهذا وبالدرجة الأولى كان النظام النسبي ليتيح للمسيحيين أن يختاروا نوابهم. نفهم ذلك إذا علمنا بانّ نظام الإنتخاب يفرض على المقترع أن يصوّت للائحة واحدة على أن يختار من بينها واحداً، يفترض بأنّه سيكون بالضرورة من طائفة المقترع.

الصوت التفضيلي حاسم. فالفائز يحظى بنسبة من الأصوات التفضيلية، كلّ حسب طائفته. السنّي ينافس المرشّحين السنّة وكذلك الشيعيّ والدرزيّ والماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي. إنّها هكذا معركة داخل الطوائف، فكيف يمكن أن نقيس ديموقراطيتها؟ الطائفة تختار بحسب نسبتها من النواب، وهي نسبة لا تتوازى مع نسبتها من المقترعين. قانون المناصفة يعطي الثلثين نسبةً توازي ما يعطي للثلث. هكذا يكون الفضاء الإنتخابي داخل الطائفة وتجري الإنتخابات ضمنها. اين مكان الجمهور ككل والبلد ككل والمصالح المشتركة الشاملة من نظام نسبي كهذا؟. اين النسبيّة في مفهومها العامّ من نظام كهذا وكيف نستطيع أن نولّد فضاء إنتخابيّاً واحداً وجمهوراً إنتخابياً بنظام مثل هذا؟ إذا قلنا أنّ النظام يجمع في وقت واحد الإنغلاق الطائفي والنظام الطائفي الأقل ديمقراطياً بالنسبي الأكثر ديموقراطيةّ. نحن هكذا أمام نظام مختلط أو هجين يحمع بين متضادين، ولا يملك بشكل واضح وجهة محددة أو غرضاً منظوراً. الأكيد أنّ نظاماً كهذا ليس لمزيد من الديموقراطيّة و ليس لتغيير حقيقي.