مسعفون ينقذون أحياء من تحت الركام في ادلب.(أرشيف)
مسعفون ينقذون أحياء من تحت الركام في ادلب.(أرشيف)
الثلاثاء 13 فبراير 2018 / 19:51

مفردات الحرب على سوريا المتصلة المنفصلة

لا صحة لتوقعات نشوب حرب إقليمية نتيجة إسقاط الـ"إف 16" الإسرائيلية، ولا صحة لإمكانية تغيير في قواعد الاشتباك بالنسبة للأطرف جميعاً، بما فيها إسرائيل

من الصعب تجنب فكرة أن الحرب على ديرالزور لا علاقة لها بالحرب على إدلب، أو الحرب على الغوطة. كما أن الحملة التركية على عفرين لا يمكن قراءتها كمفردة منعزلة لا علاقة لها بمجمل الجبهات المفتوحة في سوريا، بما فيها مناطق "تخفيف التوتر" التي لم تخفف التوتر سوى عن قوات النظام وحلفائه.

هذا على الرغم من تسويق فكرة أن مصالح أمريكا وحلفائها في سوريا تتعارض مع مصالح روسيا وحلفائها، وأن لداعش أهدافاً مختلفة عن أهداف هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، وأن الهاجس التركي يقتصر على قلقه من تعاظم قوة الكرد السوريين المتصلين بجبال قنديل، حيث الغرفة السياسية العسكرية التي تخطط لإقامة شكل ما من "دولة كردية" بعد حين قد لا يطول أكثر من مئة عام أخرى ابتداء من عام 1920.

فأمريكا تتفهم القلق التركي، وروسيا تنسق علناً مع تركيا لتسهيل مهمة طرد "قوات حماية الشعب" الكردية من عفرين قبل الانتقال إلى منبج، وربما إلى القامشلي وجوارها. بينما لا يجد النظام الأسدي حرجاً في اقتصار تصريحاته حيال الأتراك على الإدانة السياسية إعلامياً، وحفظاً لماء الوجه، مثلما فعل تجاه أكثر من 120 غارة إسرائيلية على مواقع عسكرية في العمق السوري، دون أن تغير حادثة إسقاط طائرة الـ "إف 16" في الجليل الفلسطيني من المعادلة شيئاً سوى على المستوى المعنوي، في سابقة ليس لها مثيل منذ عام 1986، عندما أُسقطت طائرة الطيار الإسرائيلي رون آراد الـ"إف 16" أيضاً، لكن في جنوب لبنان، بعد سنوات من تدمير بطاريات صواريخ سام السورية المنصوبة في البقاع اللبناني في يونيو (حزيران) 1982 في بدايات الحرب الإسرائيلية على لبنان التي انتهت بحصار بيروت، وفرض خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في اتجاه تونس واليمن.

بالطبع، لا صحة لتوقعات نشوب حرب إقليمية نتيجة إسقاط الـ"إف 16" الإسرائيلية، ولا صحة لإمكانية تغيير في قواعد الاشتباك بالنسبة للأطرف جميعاً، بما فيها إسرائيل، على عكس ما حصل بعد إسقاط طائرة الـ"سوخوي 25" الروسية قبل أيام في إدلب، حيث صعدت روسيا من وتيرة قصفها انتقاماً لإسقاط الطائرة الدبابة، ومقتل قائدها.

والربط بين كل المعارك التي تخوضها الأطراف المتحالفة والمتناقضة في سوريا لا يقول صراحة أن أهدافها تدمير سوريا والقضاء على كل مقومات الحياة في المناطق المستهدفة، لكنه ينفذ ذلك فعلياً، وكأنه يستدرك فوات الموت بالتقسيط إلى الموت الجماعي والسريع، حتى دون أن تكون هنالك علاقة واضحة ومباشرة بين التصعيد العسكري والضغط باتجاه فرض الحل الروسي الذي بدا غير ناضج في مؤتمر سوتشي.

وإذا كان هذا هو الهدف الروسي، فهدف النظام الأسدي في الغوطة الشرقية لا يبدو كذلك، بل يسفر عن ملامح فاشية صريحة تستهدف زراعة الغوطة بالبطاطا بعد إغراق الأرض بسماد المتفجرات والأسلحة الكيماوية.

كما أن هدف أمريكا من معارك شرق ديرالزور لا يهدف بشكل واضح إلى اقتطاع منطقة نفوذ تحمي فيها مناطق تواجد "قوات سوريا الديموقراطية" هناك، حتى بالنظر إلى الضربة الموجعة التي تلقتها قوات النظام من قبل الطيران الأمريكي عندما حاولت التقدم نحو مناطق تحتلها "قسد" الأسبوع الماضي. وعلى الأرجح أن أمريكا تدرك أن الأرجحية الكبيرة للأكراد في قسد ستجعل قبولهم مستبعداً شعبياً في المنطقة آنياً، وعلى المدى البعيد، حتى إذا لم نذهب إلى أن هذا هدف أمريكا، فما تضمنه واشنطن بتواجدها الحالي في الجزيرة السورية لحماية الأكراد يعمق حالة التناقض العسكري والسياسي مع عرب الجزيرة، وحين تغادر سيكون المناخ مهيئاً لفوضى أكبر قد تكون "خلاقة" وفق الصيغة الأمريكية المعروفة.

هذه الحالة الأمريكية تنسحب على منطقة عفرين، على الرغم من عدم تواجد جيش أمريكي فيها، إذ تنوب تركيا عن أمريكا في خلق الفوضى، التي قد تمتد إلى منبج، كما تأمل أنقرة، حيث تستأنف تركيا هنا حالة عداء تاريخي مع الأكراد تمتد إلى الوراء أبعد من لحظة تأسيس "حزب العمال الكردستاني"، وإعلانه "الكفاح المسلح" في تركيا منتصف ثمانينيات القرن الماضي لاستخلاص حقوق الأكراد في أكبر تجمع لـ"العرق الكردي" في العالم.

يشير إلى ذلك تصريح وزير الدفاع الأمريكي، جيم ماتيس، بأن عملية "غصن الزيتون" التركية في عفرين استقطبت نصف قوة الأكراد، ما تسبب في تراجع العمليات العسكرية في ديرالزور، بعد سحب المقاتلين في اتجاه عفرين، دون ذكر عدد محدد لنصف المقاتلين المولجين الدفاع عن عفرين في معركة يائسة، بالنظر إلى موازين القوى، وإلى "التفهم" الأمريكي لحاجات تركيا الأمنية، والتواطؤ الروسي المعلن مع تركيا.

وبالعودة إلى عام 2011، والعام التالي على الأكثر، لم تكن هذه الدرجة من التنسيق الحربي ممكنة بين الأطراف المتناقضة، لكنها أصبحت واقعاً ملموساً على الأقل منذ خريف 2015، بحيث بدا أن هدفهم جميعاً الأرض السورية، والشعب السوري. وبنجاح، حققوا ذلك ابتداء من رأس حربة الحرب التي يقودها النظام الأسدي، تسانده كل من روسيا وأمريكا وإيران، معززين بالميليشيات، وبضعف المعارضة وفقدانها الأهلية العسكرية والسياسية، مضافاً إلى ذلك اختيار الأكراد السوريين "طريقاً ثالثة"، كما يقول بعض الأكراد. دون أن ننسى العامل الإسرائيلي، كقاسم مشترك أكبر بين الأطراف جميعاً، بما فيهم إيران والنظام الأسدي.