من فيلم "غناء تحت المطر".(أرشيف)
من فيلم "غناء تحت المطر".(أرشيف)
الأربعاء 14 فبراير 2018 / 20:13

تاريخ السينما المضيء

بعد التفاؤل بين الثلاثي لوكوود وكاثي وكوزمو، في تحويل فيلم "الفارس المبارز"، إلى فيلم استعراضي غنائي راقص، يتذكر لوكوود بخيبة أمل ويقول: لينا

يتعرض فيلم "غناء تحت المطر" أو Singin’ in the Rain، 1952، إخراج جين كيلي وستانلي دونين، لأزمة تقنية، تاريخية، وهي دخول شريط الصوت على الشريط السينمائي المُصوَّر، الصامت. كانت السينما الصامتة قد وصلتْ جمالياً إلى نهايتها، وكان ارتباك شارلي شابلن، أعظم مَنْ أثرى صمتها، أمام الصوت، تأكيداً لتلك النهاية.

في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، دخل الصوت إلى السينما، أي قبل تصوير فيلم "غناء تحت المطر" ب 25 عاماً، وهي مدة كافية لهضم صرعة التقنية الصوتية، ومن ثم تقديم أعظم فيلم غنائي موسيقي راقص في تاريخ هوليوود. لدنيا في البداية نجمة من نجمات السينما الصامتة، لينا لامونت، العرض الخاص لفيلمها الجديد، "النذل الملكي" 1927. الإغماءات والصرخات من أجل لينا لامونت. الحقيقة الكوميدية أن لينا لامونت خنْفة، مسرْسَعَة، بالفصحى صوت لينا به غُنَّة وخُنَّة ثقيلتان، الصوت يخرج كاملاً من خياشيم أنفها، مزعجاً نشازاً، لا يُطاق. لدينا أيضاً الممثلون جين كيلي ودونالد أوكونور وديبي رينولدز، سلاح ثلاثي لا يُقاوَم، في الغناء والرقص وخفة الدم. جين كيلي في دور دون لوكوود، هو الحارس على عدم خروج صوت لينا لامونت أمام الجمهور في العرض الخاص. دونالد أوكونور في دور كوزمو بروان، صديق لوكوود، والجندي المجهول فنياً، والمُهْمَل من جمهور هوليوود التافه.

كوزمو ولوكوود مارسا الغناء والرقص وعزف الموسيقى، في صالات البلياردو المليئة بدخان السجائر، ومسارح الفودفيل الشعبية الرخيصة، لكن لوكوود يُصدِّر البضاعة التي تروق لجمهور هوليوود التافه، فبدلاً من مشاهدة أفلام كينغ كونغ منذ الصغر، بالزوغان من قطع التذاكر، يدَّعي أنه هو وكوزمو، كانا يشاهدان بتوجيه ورعاية من عائلتيهما، مسرحيات برنارد شو وموليير الكلاسيكية. يعمل لوكوود دوبليراً، يُضْرَب بدلاً من البطل أمام لينا لامونت، يقفز بموتوسيكل في الماء، ينفجر بطائرة في بيت خشبي. لا يذكر لوكوود مهنة الدوبلير، لجمهور العرض الخاص، لكنه يقول بشكل عام عن أدواره السابقة، قبل عمله مع النجمة لينا لامونت: كانت أدواراً مُهذَّبة، معقدة، راقية. يبوح دون لوكوود ساخراً من جمهور المراهقين أمامه، بسر كلمة النجاح: الكرامة،Dignity ، دائماً الكرامة.

المنتج الهوليوودي سيمبسون يتوسم في لوكوود الموهبة، فيدفعه إلى بطولة فيلم أمام لينا لامونت. سمات لينا لامونت المضحكة لا تنتهي، فهي ليستْ خنْفة، مسرْسَعَة فقط، هي أيضاً انتهازية، بشكل مكشوف. فجأةً يُصبح لوكوود حبيبها، خطيبها. يبقى نفي لوكوود الدائم، للينا لامونت، بأنه ليس حبيبها أو خطيبها، وأن تلك العلاقة الموهومة بينهما، للاستهلاك الجماهيري، للمعجبين، للصحافة، من أجمل تفصيلات الفيلم، سيما وأن رد لينا لامونت، خليط منعش من الغباء والاستعباط واللامبالاة، فهي تقول له دائماً أيضاً، بابتسامة تقف على شفا اللزوجة والسماجة، لكنها ابتسامة مشفوعة بمرح الكوميديا: لكنك لا تعني ذلك. ومع هذا لا نستطيع كراهية لينا لامونت، فحدود الكوميديا الرومانسية تمنع المشاعر القوية مثل الكراهية.

هرباً من المعجبات، يقفز جين كيلي في عربة الممثلة الرقيقة ديبي رينولدز، وهي كاثي سيلدن في الفيلم. تتعرف كاثي على النجم دون لوكوود، وسط صراخها بأنه مجرم قفز في عربتها. تشهق وسط اتهاماتها، شهقة المعرفة، شهقة عفوية جذابة، شهقة بذيل وسط صراخ النجدة. كاثي أيضاً معجبة بدون لوكوود، لكنها تقول له إن مَنْ يرى فيلماً صامتاً واحداً، كأنه رأى الأفلام جميعاً. تُمثِّل له كاثي، على وجهها الجميل، تعبيرات الفزع والحزن والفرح، بشكل متتابع آلي. لا بد أن سخرية ديبي رينولدز من السينما الصامتة، كانت جارحة لشارلي شابلن. بالمثل يسخر دون لوكوود من كاثي سيلدن الممثلة المستقبلية، التي تفضِّل التمثيل المسرحي، شكسبير، إبسن، لكنها لم تمثِّل دوراً واحداً بعد، لا الليدي ماكبث، ولا حتى الملك لير حليق اللحية. ثأر شارلي شابلن جاء سريعاً.

تفشل كالعادة لينا لامونت في تعلم نطق الحروف دون الغُنَّة والخُنَّة، وطن اللحمية الجاثم على أنفها. وعلى العكس، ببراعة يتعلم دون لوكوود نطق الحروف. يقول مدرس نطق الحروف الجملة الآتية العويصة متداخلة الحروف:Moses Supposes . موسى يفترض أن أصابع قدميه ورود، لكن موسى يفترض خطأً، موسى يعرف أن أصابع قدميه ليست وروداً، كما يفترض لأصابع قدميه أن تكون. تتحول الكلمات إلى استعراض غنائي راقص، بين دون لوكوود وكوزمو براون. كلما كانت المساحات ضيقة ظهرتْ قدرات جين كيلي ودونالد أوكونور في دمج عناصر المكان داخل تصميم الرقصة، على سبيل المثال استخدام المكتب والكرسي والستائر في تشكيل الحركات الراقصة.

بعد التفاؤل بين الثلاثي لوكوود وكاثي وكوزمو، في تحويل فيلم "الفارس المبارز"، إلى فيلم استعراضي غنائي راقص، يتذكر لوكوود بخيبة أمل ويقول: لينا. يردد كوزمو وكاثي في نَفَس واحد، وبنفس خيبة الأمل: لينا. يقول كوزمو: لا تستطيع التمثيل، لا تستطيع الغناء، لا تستطيع الرقص، تهديد ثلاثي. يقترح كوزمو أن تغني كاثي، بصوتها الجميل، بينما الحجر الأصم، لينا لامونت، تُحرِّك شفتيها. يخاف لوكوود على مستقبل حبيبته كاثي التي ترضى بالتضحية من أجل حبيبها لوكوود. ينجح فيلم "الفارس المبارز" الذي أصبح "الفارس الراقص".

الحجر الأصم، لينا لامونت، تستغل عقد كاثي سيلدن، بأن تكون صوتها مدة خمس سنوات. يتفق المنتج سيمبسون ولوكوود وكوزمو على ترك لينا لامونت، تخاطب الجمهور في العرض الخاص. لينا لا تعتقد أن صوتها العادي من دون غناء، كارثي تماماً كما لو تُرِكَتْ للغناء. تتحدث لينا إلى جمهور العرض الخاص. يستنكر جمهور العرض الخاص صوتها، ويطلب منها الغناء. ماذا تفعل لينا؟ يأمر سيمبسون ولوكوود وكوزمو، كاثي سيلدن، أن تغني من وراء الستار، وتُحرِّك لينا شفتيها فقط. كاثي لا تعرف نية سيمبسون ولوكوود وكوزمو. تستعد لينا لامونت أمام الجمهور. ومن وراء الستارة، تتلقى لينا لامونت، توجيه كاثي سيلدن، اسم الأغنية، ومفتاحها. وتردد لينا لامونت ما سمعته، لقائد الأوركسترا. لينا لامونت ستغني من أعماق خياشيمها أغنية "غناء تحت المطر"، بمفتاح A-flat. سيمبسون وكوزمو ولوكوود يغنون أيضاً أغنية "غناء تحت المطر"، ويقلدون حركة لينا لامونت، وهم يسحبون بقوة حبال الستارة الثانية التي تُخفي كاثي سيلدن. يضحك الجمهور، ويفوز لوكوود بحبيبته كاثي.