حطام المقاتلة الإسرائيلية التي أسقطت شمال إسرائيل.(أرشيف)
حطام المقاتلة الإسرائيلية التي أسقطت شمال إسرائيل.(أرشيف)
الأربعاء 14 فبراير 2018 / 20:06

قوّة روسيا أم ضعفها في سوريا؟

يتأكّد مرّة أخرى، أنّ لا حلّ بسيطاً أو بوتينيّاً لسوريّا، وأنّ الحلّ الوحيد الذي ينهي عذابات السوريّين كما يطمئن العالم في الوقت عينه، إنّما يبدأ بخروج جميع القوّات المسلّحة غير السوريّة من سوريّا، أكانت جيوشاً نظاميّة أم ميليشيات مذهبيّة

للوهلة الأولى، بدا للمراقبين والمعلّقين أنّ المواجهة الإسرائيليّة – الإيرانيّة الأخيرة في أجواء سوريّا دليل على قوّة روسيا وتأثيرها، وعلى أنّها صاحبة القرار والكلام الفصل. فموسكو على صلة بالطرفين المتنازعين في آن معاً، وهي وحدها من يمكنه إلزام طهران وتلّ أبيب بالتهدئة وضبط الأعصاب، وقد تحملهما على قبول حدود وخطوط لا يتجاوزها أيّ منهما.

عزّز هذا التحليل أمران:
الأوّل، أنّ موسكو، ومنذ تدخّلها العسكريّ في سوريّا قبل عامين ونيّف، تراكم انتصارات على الأرض كان أبرزها ما حصل في حلب مؤدّياً إلى تدمير نصفها. والثاني، ما بات متّفقاً عليه حول الانكفاء الأمريكيّ في الشرق الأوسط، بغضّ النظر عن اختلاف التقديرات في حجم الانكفاء وفي تحوّلاته.

مع هذا، أعطت التطوّرات الأخيرة ما يكفي من الحجج للقائلين بهشاشة الدور الروسيّ وقابليّته الشديدة للعطب.

فمن حيث المبدأ، يصعب، بل يستحيل، أن تتنازل إسرائيل في ما تعتبره "حقّها" و"أمنها"، أي الحؤول دون أيّ وجود عسكريّ واستراتيجيّ إيرانيّ في جنوب سوريّا المحاذي للدولة العبريّة.

والشيء نفسه، ولو بدرجة أقلّ، يصحّ في إيران التي تعتبر أنّ "حقّها" و"أمنها" معاً يتطلّبان وجوداً لها في سوريّا، وجوداً يكافئ ما استثمرته في الحرب السوريّة، مباشرةً أو عبر "حزب الله" اللبنانيّ والتنظيمات الشيعيّة العراقيّة.

وفي عودة سريعة إلى الأرشيف القريب، تتزاحم تصريحات القادة العسكريّين والأمنيّين، فضلاً عن السياسيّين، في كلّ من البلدين، التي تؤكّد هذا الإصرار على التوسّع وتوسيع النفوذ في سوريّا وعلى حسابها.

قابليّة الصدام إذاً ممكنة جدّاً، بل "حتميّة"، بحسب أحد محرّري صحيفة "هآرتس" الإسرائيليّة. وهذا يعني أنّ المشروع الروسيّ لسوريّا ومستقبلها قد يتراجع في الأولويّة، كما في التأثير، بحيث يفقد قدرته على الإحاطة بالوضع السوريّ وتكييفه على النحو الذي تختاره موسكو. فصدام كهذا لا بدّ أن يعيد خلط أوراق كثيرة في المنطقة، من تركيّا إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

فكيف حين نضيف احتمال انفجار آخر بين تركيّا والأكراد السوريّين، حيث يواجهنا أيضاً ضيق المساحة المشتركة بين الطرفين المتنازعين: ذاك الذي يتوسّع "دفاعاً عن أمنه"، مهدّداً الآخرين بـ "صفعة عثمانيّة"، وذاك الذي يدافع عن أرضه ووجوده فضلاً عن أمنه.

وبدوره أثبت مؤتمر سوتشي الأخير أنّ التقدّم العسكريّ على الأرض لا يعني بالضرورة انتصاراً سياسيّاً قاطعاً لصاحبه، سيّما وأنّ مناطق واسعة جدّاً من الخريطة السوريّة لا تزال موضع صراع عسكريّ ضارٍ ومشرع على عديد الاحتمالات. وفي موازاة ذلك، استحسن فجأةً وزير الخارجيّة الأمريكيّ ريكس تيلرسون، عقب انتهاء أعمال الاجتماع الوزاريّ للتحالف الدوليّ ضدّ "داعش" في الكويت، تذكيرنا بأنّ الانكفاء الأمريكيّ ليس مطلقاً. فبلاده وحلفاؤها "يسيطرون على 30 في المائة من الأراضي السوريّة وحقول النفط".

إذاً، وعلى مدى أبعد، يتأكّد مرّة أخرى، أنّ لا حلّ بسيطاً أو بوتينيّاً لسوريّا، وأنّ الحلّ الوحيد الذي ينهي عذابات السوريّين كما يطمئن العالم في الوقت عينه، إنّما يبدأ بخروج جميع القوّات المسلّحة غير السوريّة من سوريّا، أكانت جيوشاً نظاميّة أم ميليشيات مذهبيّة.

وهذا، بطبيعة الحال، لا يلغي أنّ على السوريّين أنفسهم تطوير الأدوات السياسيّة التي تواكب هذه العمليّة وتملأ "الفراغات" التي تنجم عنها... لكنّ هذه قصّة أخرى لها حديث آخر.