مقاتل من "الجيش السوري الحر" في شمال سوريا.(رويترز)
مقاتل من "الجيش السوري الحر" في شمال سوريا.(رويترز)
الجمعة 16 فبراير 2018 / 13:48

حرب سوريا تشعل ثلاثة حروب أخرى

رأى الصحافي كريشناديف كالامور أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية في سوريا يمثل تصعيداً خطيراً في الحرب الأهلية السورية؛ إذ يعكس حقيقة مستمرة تزداد خطورتها وهي أن الحرب السورية تشعل ثلاثة صراعات دولية أخرى على الأقل.

تجاوز الأمر بالفعل مرحلة الفوضى الكاملة، وبات شيئاً خطيراً للغاية؛ إذ لا يمكن التنبؤ بما سوف يحدث

ويلفت كالامور، في تقرير نشرته مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، أنه في خلال الأسابيع القليلة الماضية وحدها اشتبكت تركيا مع الأكراد السوريين وهددت المدينة التي تسيطر عليها الولايات المتحدة في سوريا، كما تم إسقاط مقاتلة إسرائيلية بعد قصف أهداف إيرانية في سوريا، وصدت القوات الأمريكية هجوماً من قبل المقاتلين الروس أسفر عن مقتل عدد غير معروف يمكن أن يصل إلى المئات حسبما تشير التقارير.

لا استقرار في سوريا
ويشير كالامور أن أياً من تلك الاشتباكات قد يتحول إلى شيء أكثر خطورة، كما أنها في مجملها تنطوي على أسباب انعدام الأمل في عودة الاستقرار إلى سوريا سريعا حتى بعد هزيمة داعش، بل أن المرحلة المقبلة ربما تكون أسوأ. وبحسب ريان كروكر، السفير الأمريكي السابق في سوريا، فإن التوترات بين الأكراد وتركيا والولايات المتحدة، والتوترات ما بين إيران وسوريا وإسرائيل قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق.

وينوه كالامور أن هذه الصراعات قد اندلعت فجأة مؤخراً، ولكن الظروف الملائمة لها كانت قد بدأت بعد وقت قصير من اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في سوريا التي تحولت إلى حرب أهلية كاملة منذ سبع سنوات تقريباً، وتورطت فيها دول أخرى. فقد تدخلت إيران في 2011 وكذلك ميليشيات حزب الله في لبنان (وكلاء إيران) لانقاذ نظام الأسد من السقوط بعد أن كان على وشك الانهيار. وبدأت الولايات المتحدة في قصف مواقع داعش والقاعدة بسوريا في 2014، ثم تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2015 حينما كانت قبضة الأسد على السلطة في خطر.

هدف بوتين الإستراتيجي

وتعتبر ألينا بولياكوفا، زميلة في برنامج السياسة الخارجية لمؤسسة بروكينغز، أن هدف بوتين الأول في سوريا هو تثبيت نظام الأسد ودعمه، بما في ذلك استعادة الأراضي التي استولت عليها من قبل قوات داعش والمعارضة؛ حيث أن هدف بوتين الإستراتيجي يتمثل في ترسيخ مكانة روسيا كوسيط قوي في الشرق الأوسط.

وخلال الفترة نفسها، بحسب التقرير، وبينما كان الأمريكيون يدعمون جماعات المعارضة، برز الأكراد باعتبارهم قوة قتالية فاعلة في محاربة داعش، ولكنهم لا يزالون مصدر تهديد وخوف بالنسبة إلى تركيا. ورغم معارضة الأخيرة لنظام الأسد، فإنها ترى أن الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة "إرهابيون"، ولذلك دعمت تركيا جماعات المعارضة الأخرى التي تحارب نظام الأسد، بما في ذلك الجماعات الإسلامية.

دحر داعش
أما داعش الإرهابي فقد احتل أجزاء كبيرة في سوريا والعراق خلال 2014. وفي ظل حتمية هزيمة التنظيم باتت الصراعات الأخرى أقل أهمية بالنسبة إلى العديد من الجهات الفاعلة الأخرى المتورطة في سوريا، وركزت الولايات المتحدة وحلفاؤها وحتى خصومها على محاربة داعش، وبالفعل في نوفمبر الماضي (تشرين الثاني) تم هزيمة داعش إلى حد كبير في سوريا، ولكن ظل الأسد في السلطة، وبدأت أطراف الصراع تدعو إلى حل سياسي جديد في سوريا واستبعاد أي من الشروط التي تسببت في الحرب الأهلية في المقام الأول أو الخصومات التي ساعدت على استدامة هذه الحرب.
  
وتقول منى يعقوبيان، كبيرة مستشاري شؤون سوريا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد السلام الأمريكي: "مع دخول سوريا مرحلة خطيرة وأكثر تقلباً، فإن أصحاب المصلحة الرئيسيين سيسعون إلى السيطرة على الأراضي وضمان حماية مصالحهم".

مصالح متعارضة
والواقع أن الكثير من مصالح اللاعبين الرئيسيين يتعارض مع بعضها البعض بشكل أساسي، وهذا يضمن اندلاع المزيد من الصراعات؛ إذ سوف يسعى الأسد إلى توطيد وتوسيع سلطته على البلاد، وستحاول تركيا عدم السماح للأكراد بممارسة "شبه الاستقلال" على حدودها، وفي المقابل سوف يقاتل الأكراد لحماية الأراضي التي اكتسبوها. وعلاوة على ذلك، تريد إيران جني مكاسب استثماراتها في سوريا ونظام الأسد، وتعارض إسرائيل بشدة أي وجود عسكري دائم لإيران وحزب الله على حدودها في جنوب سوريا. أما الولايات المتحدة فترغب في ضمان عدم عودة داعش من جديد وأعلنت تفضيل تنحي الأسد عن السلطة، وعلى النقيض تسعى روسيا إلى الحفاظ على بقاء الأسد وتوطيد مكانتها كوسيط قوة في الشرق الأوسط.

ويقول كروكر: "لقد تجاوز الأمر بالفعل مرحلة الفوضى الكاملة، وبات شيئاً خطيراً للغاية؛ إذ لا يمكن التنبؤ بما سيحدث، وفي هذه المرحلة على وجه التحديد، لا يرغب أحد (سواء تركيا أو الولايات المتحدة أو الأكراد أو إيران أو حزب الله أو روسيا أو النظام السوري) في أن يشهد حرباً كاملة".

تصعيد محتمل
ويشير كالامور إلى أن الصراعات الأخيرة (الجارية بين تركيا والأكراد، وإيران وإسرائيل، وروسيا وإيران) تحاول حتى الآن تفادي التصعيد المحتمل. وفي حالة الصراع ما بين تركيا والأكراد قد تكون التهديدات الأمريكية ردعت تركيا عن شن هجوم أكثر خطورة ضد الأكراد. وفي حالة الصراع بين إيران وإسرائيل، أشار أحد المصادر إلى أن مكالمة هاتفية غاضبة من روسيا قد حالت دون شن هجوم إسرائيلي أكبر ضد وكلاء إيران في سوريا، وفي ما يتعلق بالصراع ما بين روسيا والولايات المتحدة، فقد تم اللجوء إلى "الانكار الظاهري" حيث زعمت موسكو أن المقاتلين الروس الذين واجهوا القوات الأمريكية في سوريا ينتمون إلى قوات الشركات الخاصة الموجودة في سوريا من دون معرفة الحكومة الروسية.

ويختتم تقرير "أتلانتك" بأنه لا يمكن المبالغة في تقدير قوة الديناميات الجديدة الناشئة في المرحلة الجديدة التي تشهدها سوريا حيث تغيرت الموازين تماماً عن الوضع السابق. ويحاول اللاعبون الإقليميون الفاعلون تشكيل مستقبل سوريا وكذلك أيضاً وضع الخطوط الحمر وفقاً لمصالحهم، وسوف يستمر هذا الأمر خلال الأشهر المقبلة أو ربما يستغرق سنوات.