رجل يطارد الزمن (تعبيرية)
رجل يطارد الزمن (تعبيرية)
الأحد 18 فبراير 2018 / 19:03

هل الزمن وهم؟

الزمن مجرد إطار تصوري ابتدعه عقل الإنسان لينظم إدراكاته لما يحيط به

لا يمكن لأي متأمل، أن يغفل عن هيمنة الزمن على حياتنا وتغلغله في كل تفاصيلها الدقيقة، فأنت في كل لحظة في صراع مع الزمن: يجب أن توصل أطفالك إلى المدرسة في ساعة مبكرة محددة، يجب أن تذهب للعمل في ساعة محددة، هناك ساعة محددة للنوم إن فاتتك فسوف تعاني في اليوم التالي. وبين اليقظة والنوم هناك تفاصيل كثيرة يُحكم الزمن قبضته عليها وعليك. لكن ما هو الزمن؟ ما معنى هذا التقسيم القديم: ثانية .. دقيقة .. ساعة .. يوم .. أسبوع .. شهر .. سنة؟ ثم أصبح عندنا وحدة الملي ثانية، والمايكرو ثانية (واحد على مليون من الثانية) والنانو (واحد على مليار من الثانية ) والبيكو والفيمتو (واحد على مليون مليار) والأتو (واحد على مليار مليار من الثانية ).

الأتو هي أصغر وحدة زمنية يسميها العلم اليوم ولن تكون الأخيرة. لقد اعتدنا على عدادات الزمن هذه، لكن ما هي هذه الوحدات؟ أليست شيئاً وضعياً آخر اخترعه الإنسان لتنظيم حياته وتسهيلها؟

بالنسبة لشيخ الفلاسفة المثاليين هيغل، لا يوجد زمن إلا بقدر ما يوجد تاريخ، أي وجود إنساني. هذا الموقف رفضه العلم الحديث. الزمن بالنسبة للعلم شيء حقيقي، نظراً لواقعية العلم وارتباطه بالعالم الفيزيقي. لكن ليس كل العلماء يوافقون على هذا المبدأ. هناك من يعتقد أن الإيمان بواقعية الزمن هو موقف العلم، وأن القائلين بوهمية الزمن هم الفلاسفة المثاليون الميتافيزيقيون فقط. هذا التقسيم ليس بصحيح. إسحاق نيوتن هو ممثل النظرة الكلاسيكية للزمن، فهو يراه كشيء كلي ومتجانس وموضوعي . لكن الزمن عنده زمنان. زمن مطلق لا يُنسب إلى شيء خارجي، وهو الزمن الرياضي الحقيقي القائم بذاته، المستقل بطبيعته، يسير باطراد ورتابة إلى ما لا نهاية، ويسميه نيوتن the duration الديمومة.

هذا الزمن الحقيقي غير قابل للقياس، لأنه لا انفصال فيه. وهناك الزمن النسبي الذي يقاس بالنسبة إلى أشياء خارجة عنه، هي حركة الأجسام. هذا الزمن النسبي من دقائق وساعات وأيام وشهور يُستخدم (من وجهة نظر نيوتن ) كبديل للزمن الحقيقي المطلق. هذا معناه أن نيوتن هنا يقترب من المثاليين فيما يتعلق بموقفه من الزمن النسبي المرتبط بحياتنا اليومية. أو لنقل إن موقف نيوتن الذي يعتبره الفيزيائيون الموقف العلمي الأصلي من الزمن، كان يحمل في جوفه ما أدى إلى هدمه فيما بعد، لتفريق نيوتن بين الزمن الحقيقي والزمن النسبي. ثم جاء الهدم الكامل على يد رأس هرم العلماء في القرن العشرين آلبرت آينشتاين لمفهوم الزمن مثل ما حدث لمفهوم المكان بنظريته التي ألغت التفريق بينهما ووضعتهما في بعد واحد هو البعد الزمكاني.

الزمن لا يتدفق سائراً نحو المستقبل كما كان الناس يتصورون، بل يمكن أن يسرع في حركته ويمكن أن يبطئ، والماضي موجود في الحاضر، والمستقبل يمكن أن يقترب أكثر، وليس شرطاً أن تسير الأحداث في اتجاه واحد، والزمن بالنسبة لي لا يتحرك مثل ما يتحرك بالنسبة لك. كل هذه التفاصيل لم تبق للتصور القديم للزمن من أرض يقف عليها.

نسبية آينشتاين أعادت القوة إلى موقف الفلاسفة من الزمن. لقد عادت الكرة في ملعب أفلاطون وأفلوطين والقديس أوغسطين، وكل الفلاسفة القائلين بأن تصور الزمن ذاتي وليس بموضوعي.

الزمن مجرد إطار تصوري ابتدعه عقل الإنسان لينظم إدراكاته لما يحيط به. لعل المعلم الروحاني إيكهارت تولي هو أشهر الأحياء في موقف الرفض للزمن المتعاقب. الزمن بالنسبة له بصورته الكلاسيكية ( ماضي – حاضر – مستقبل ) ليس سوى وهم. لا يوجد على الحقيقة إلا لحظة واحدة ممتدة هي لحظة الآن ولا شيء سواها. إذا عرفت هذا، فطب نفساً ولا تحزن على ما فات ولا تخف مما سيأتي، واندمج في قبول اللحظة الآتية وتقبلها كما هي، تقبل وجودك الشخصي فيها، وأنها هي أثمن ما في الوجود.