طبيب يُطالع ملفاً إلكترونيا صحياً (أرشيف)
طبيب يُطالع ملفاً إلكترونيا صحياً (أرشيف)
الأحد 18 فبراير 2018 / 19:13

مستقبل الطب والذكاء الاصطناعي

من المتوقع أن ينتقل الطب من خانة الدفاع عن المريض إلى خانة الهجوم على المرض وإجهاضه في مراحله الجنينية

هل من الممكن الاستغناء عن الأطباء وإلى الأبد؟.
 
 هذا السؤال تم طرحه من قبل الباحثين بعض تعرض النظام الصحي العالمي لموجات "تكنولوجية" كبرى، أدت إلى بدء التفكير في إمكانية استبدال الطبيب البشري بالعقل الاصطناعي. نظرياً لا يُعد ذلك مستحيلاً، إلا أن المستقبل القريب لن يشهد استغناءً عن يد الطبيب العاملة بقدر ما سيشهد استعانة الطبيب بأدوات التكنولوجيا التي ستساعده على اتخاذ قرارات أكثر صواباً ودقة.

عادةً، يستقي الطبيب معلومات التشخيص من التاريخ المرضي الذي يتفوه به المريض، ومن الفحص السريري الذي يستنبطه من فحص المريض من الخارج، ومن الفحوصات المخبرية، كل هذه المعلومات هي معلومات غير منظمة وغير مفهومة لأنظمة الحاسب الآلي، من هنا يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التقاط الكلمات المحورية ومن ثم تصنيفها من أجل البحث عن التشخيص والعلاج الصحيحين.

يهدف الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة ذكاء العقل الإنسان من أجل خلق بيئة تقل فيها الأخطاء البشرية، وتتركز حالياً أهداف الذكاء الاصطناعي في مكافحة الأمراض المميتة والتي تشمل أمراض القلب والأعصاب والسرطان بشكل أساسي، فمثلاً سيكون من الممكن استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تحليل أشعة الصدر عند المريض وبالتالي تحديد الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية وتقليل نسبة مقاومة البكتيريا، أو سيكون من الممكن تشخيص الجلطة الدماغية مبكراً وبالتالي الاستفادة من العلاج الذي يسبب انحلالاً للجلطة ولا يُعطى إلا إذا كان عُمر الجلطة أقل من ثلاث ساعات، أو من الممكن تحليل بيانات السُكّان للبحث عن الأفراد الذين هم أكثر عرضة للأصابة بسرطان القولون ومن ثم إنقاذ حياتهم وعلاجهم قبل تفشي المرض، وسيقوم الروبوت بإجراء العمليات الجراحية وقد يقوم باستبدال صمامات القلب وتصحيح التشوهات الخلقية.

كذلك بإمكان الذكاء الاصطناعي استخدام حلول حسابية خوارزمية لرسم ملامح المرض والوصول إلى التشخيص الصحيح للمريض باستخدام كمية هائلة من المعلومات الطبية، ويستطيع كذلك منح الطبيب معلومات طبية حديثة من المجلات والكتب الطبية.

ربما سنصل إلى يومٍ يرسل فيه المريض فيه مسحة عينه الإلكترونية عن طريق "الوتس أب" إلى طبيبه ثم تصله رسالة تطلب منك مراجعة الطبيب المتخصص، وقد يتم تشخيص السرطان باستخدام جهاز يلتقط اهتزازات الخلية المريضة التي تختلف عن الطبيعية، وفي ظل ازدياد الإرهاق في المستقبل -والذي ينتج عنه القلق والاكتئاب- ستزدهر أبحاث هندسة النوم، سيصبح النوم مطلوباً في المستقبل، وقد يزاحم لذة البحث عن المال والجنس، كذلك ستنتشر السياحة الطبية التي ستكون في متناول كثير من الناس عن طريق التطبيقات الذكية، ومع ازدياد معدلات العمر، سيتطلب الأمر الكفاح ضد النسيان والهرم والشيخوخة، وقد نشهد إنماء أسنان وأطراف وأثداء صناعية، وأدوية تلغي الحاجة إلى الرياضة، وعيوناً إلكترونية وحبوباً لتأخير الشيخوخة ومكافحة الأورام.

من المتوقع أن ينتقل الطب من خانة الدفاع عن المريض إلى خانة الهجوم على المرض وإجهاضه في مراحله الجنينية، فمن المتوقع أن يزدهر الطب الوقائي عن طريق تحليل الجينات الموروثة واستخدامها للتنبؤ بحصول المرض، وستحل الاستشارات الإلكترونية محل الاستشارات التقليدية، ومن المعلوم حالياً أن 25٪؜ من الأمريكيين يمارسون "الطب من بُعد" فهم يبحثون عن المعلومات الطبية في الإنترنت مرة واحدة على الأقل في الشهر، وصرنا اليوم نرى المرضى يراجعون الطبيب في تشخيصه أو يسردون الأعراض الجانبية للأدوية المختلفة والتي وجدوها في الفضاء الإلكتروني.

قبل نحو قرن من الزمن، كان قليل من الناس يتجاوزون عمر الـ 56 سنة، أما اليوم فصار كثير من الناس يصلون إلى سن الثمانين، ومن المتوقع أن تدفع الابتكارات الطبية هذا الرقم إلى 110 ومن ثم إلى 130 كما يقول "ريتشارد واتسون" في كتابه (ملفات المستقبل: موجز في تاريخ السنوات الخمسين المقبلة)، علينا أن نكون مستعدين لتلك التغيرات التي تحمل في طياتها الصحة والعافية والرفاه، وفي نفس الوقت علينا وضع خطوط أخلاقية تجري بالتوازي مع القفزات الهائلة للتكنولوجيا، ففي النهاية هذه التقنيات خادمة للوجود الإنساني وليست مُسيرة له.