الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك (أرشيف)
الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك (أرشيف)
الإثنين 19 فبراير 2018 / 20:14

عقدة الشر

لنقل هذا هو الإنسان وهذه هي طبيعته. ليس سوى الشرّ وسوى الخيانة وسوى الطمع وسوى البخل والمال. الكاثوليكي مورياك يتصوّر العالم البشريّ شيطانياً

نال الفرنسي فرانسوا مورياك جائزة نوبل، كذلك حازها أندريه جيد فيما لم ينل مارسيل بروست سوى جائزة غونكور، واليوم يكاد مورياك أن يختفي ويكافح أندريه جيد ليبقى في الذاكرة وتسعفه في ذلك حياته الخاصّة كمثليّ، بينما بروست بين أيقونات الأدب الفرنسي وهو بالتأكيد ألمع أدباء جيله. مع ذلك لا نستطيع أن ننكر أن لمورياك وجيد عالمهما وقدرتهما الأدبيّة، ولعلّ في إستذكار رائعة مورياك "عقدة الأفاعي"، التي وسمت الأدب الفرنسي في القرن الماضي، ما يساعد على إعادة الصلة بهذا الأديب الإستثنائي الذي تبرز استثنائيته في أدبه كما في حياته.

من الغالب على الكتاب الكبار أنهم معارضون، وهم بهذه الصفة أقرب إلى التمرّد على الموروث مهما كانت صفته وكان نوعه. مورياك هو من القليلين الذين لم يكونوا على هذه الشاكلة. لقد كان يعمل في صحيفة يمينيّة هي "الفيغارو" وهو أيضا كان مثلها أقرب إلى اليمين، بل هو فوق ذلك كان كاثوليكياً متحيّزاً لكاثوليكيته. مع ذلك كان مورياك كاتباً مؤثراً وقادراً على النفاذ إلى الطبيعة الإنسانية. كاثوليكيته لم تعقه عن ذلك، بالعكس أعانه التدين على النفاذ إلى موضوع يكاد بحد ذاته أن يكون دينياً هو موضوع الشر.

موضوع الشر بما فيه من تجذر في الطبيعة الإنسانية وتأصل فيها وما تستجره من يأس من الطبيعة الإنسانيّة وإدانة لها.

 ليس وثيق الصلة بالدين فحسب، بل هو وثيق الصلة بالكاثوليكية بوجه خاصّ. الشر بهذا المعنى، واليأس من الطبيعة الإنسانيّة إلى درجة جعلت جماعة الجنسبنية، المسيحية المتشددة، ترى أن لا أمل بالخلاص إلاّ برعاية النعمة الإلهية وتدخلها، فالإنسان هالك لولا هذه النعمة. مورياك هو في هذه الجهة. إنّه يرى أن الشرّ مستحكم بالإنسان وأنّ طبيعة الإنسان فاسدة من الأساس ولا أمل فيها.

أمّا الرواية نفسها فهي بصوت بطلها الذي يتكلّم وفي ذهنه أنّه بلغ من العمر عتيّاً وأشرف على الموت. إنّه في هذه اللحظة، وبذلك الإحساس يروي قصّة حياته. نفهم أنّه إبن أسرة مالكة و متمولة لكنها من أصل إجتماعي متواضع. إنه من أسرة شعبية، ذلك بادِ في لهجة الأم وحياة الوالد.

وكما يحدث عادة يجد الإبن الغني المتواضع الأصل لنفسه زوجة من أصل نبيل. الإبن الذي لم يكن متواضع الأصل فحسب بل ضعيف الشخصية، يفاجأ بعروسه تشترط عليه أن لا تساكن أمه. يحتار الإبن الذي غدا محامياً يفكر بأن يخلي بيت العائلة من أمّه وينقلها إلى كوخ بجوار البيت، لكنّه يعود عن فكرته. تؤدي الظروف به وبزوجته إلى أن يساكنا الأم التي تتعمّد أن تكون في البيت المشترك غير مرئيّة حرصاً على راحة إبنها وعائلته.

الإبن ضعيف الشخصية تصارحه زوجته بعد أن ألح عليها بأنها قبل زواجها منه مرت بحب مع شابّ وسيم. هذه الحادثة البسيطة والبديهية تتحوّل لدى الإبن إلى وصمة لا تغتفر. لقد بدأ يوازن بين نفسه وبين العشيق الغائب، بين وسامة العشيق وهيئته هو العاديّة. تتحوّل هذه الحادثة إلى حزازة لا ينساها. منذ ذلك الحين يقع بينه وبين زوجته ما يشبه القطيعة. يتحول الفتى البسيط إلى ذئب، يخون زوجته وينجب من غيرها. تكرهه عائلته ويشعر بكرهها ويقرّر لذلك أن لا يورثها، وأن يورث بدلاً عنها إبناً غير شرعي له من امرأة أخرى. يتحول في الوقت ذاته إلى وغد بخيل.

الإبن غير الشرعي يتآمر عليه، هو الآخر، مع عائلته ويدري بذلك فيصرف النظر عن توريثه. إلا القليل الذي يمنحه له وترث العائلة. الجميع هنا أوغاد. ليس الرجل وحده بل أبناؤه وأحفاده، الجميع يعميهم الطمع وتعميهم الكراهية.الرجل وهو على حافّة النهاية يظلّ بخيلا ويحافظ على بخله حتّى النهاية. يكره امرأته بحقد ويكره أبناءه واحفاده. هذا هو الشرّ الذي يشمل الجميع ولا ينجو منه أحد. لنقل هذا هو الإنسان وهذه هي طبيعته. ليس سوى الشرّ وسوى الخيانة وسوى الطمع وسوى البخل والمال. الكاثوليكي مورياك يتصوّر العالم البشريّ شيطانياً.