الكاتب والصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي (أرشيف)
الكاتب والصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي (أرشيف)
الإثنين 19 فبراير 2018 / 20:09

نعم.. أنا أحترم جدعون ليفي

"رُب حليف لك لم تلده أمتك" هكذا أرى كتاباً إسرائليين يساريين يتحدون بشجاعة سياسة الاحتلال ويفندون أكذوبة الرواية التوراتية، ويواجهون المشروع الصهيوني بالاصطفاف في الخندق الفلسطيني.

بعض الخجل مطلوب أحياناً، خاصة عندما يتعلق الأمر بمن يبادرون للوقوف معنا بلا مقابل ويتصدون لطغيان القوة، ولو بأقلامهم وأصواتهم فقط

ولعل من يقرأ ما يكتبه جدعون ليفي وعميرة هاس وما كان يكتبه أوري أفنيري وآخرون كثر في "هآرتس" يعرف كم كان هؤلاء شجعاناً في التعبير عن قناعاتهم المبدئية ضد الاحتلال والسطو الاسرائيلي ليس على الضفة وغزة فقط ولكن على كل فلسطين.

هؤلاء الكتاب ليسوا مجرد أصدقاء، بل حلفاء حقيقيون للفلسطينيين، وهم أيضاً ضحايا للمشروع الصهيوني الذي يرتدي الآن ثوبه اليهودي، وهم أذكياء في استغلال الهامش الضيق للحرية في الإعلام الاسرائيلي الذي يعتمد، مثل كل إعلام العالم الثالث على جيوش السحيجة وكهنوت الأنظمة. وقد تمكنوا من فتح ثغرة في جدار التعتيم الإسرائيلي الممنهج الذي يحاول شطب الرواية الفلسطينية، وتقديم الرواية الإسرائيلية المتكئة على أساطير توراتية كاذبة تحميها من الطعن والمساءلة قوانين بائسة واتهامات جاهزة بمعاداة السامية.

جدعون ليفي هو رأس الحربة في هذا الهجوم المضاد للرواية الاسرائيلية، وهو الأوضح في التعبير عن رفضه لوجود إسرائيل كدولة إرهابية يستخدمها الغرب الرأسمالي في تخويف الأمم العريقة في شرق المتوسط وضبط الايقاع السياسي والاقتصادي في المنطقة بما يخدم النفوذ الغربي.

بالطبع، لم ينحز ليفي وهاس وأفنيري للحق الفلسطيني في الحرية والخلاص من الاحتلال حباً بالفلسطينيين، ومن أجل سواد عيونهم، لكن هؤلاء الكتاب الطليعيين ينطلقون من قناعاتهم، ويحترمون أنفسهم كبشر يرفضون التحول إلى أدوات قميئة لخدمة المشروع الصهيوني.

لذا يبدو الخطاب الإعلامي الإسلاموي ساذجاً حد الاستفزاز حين يرى هؤلاء صهاينة ينبغي محاربتهم، وحين تتجاهلهم المنابر المحسوبة على الإسلام السياسي، في الوقت الذي تستضيف فيه على شاشاتها وعلى صفحات جرائدها ومواقعها عتاة الصهاينة الذين يدافعون عن جرائم الاحتلال.

وإذ أكتب عن ليفي وهاس وأفنيري فإنني أعترف بالإحباط والغضب مما كتبه بعض الثورجيين الجدد عن هؤلاء الحلفاء، ومن حملة التشكيك التي يتعرضون لها في المنابر المشبوهة التي تستضيف صغار وكبار مجرمي الحرب الإسرائيليين من أفيخاي أدرعي إلى أفيغدور ليبرمان.

أحترم الكتاب الثلاثة، وكنت، قبل سبعة وثلاثين عاماً قد التقيت يوري أفنيري في لندن، حين كان يتصدى للصهاينة في "الهايد بارك"، وعرفت أنه كان صديقاً للشهيد سعيد حمامي، الذي كان في ذلك الوقت ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في بريطانيا.

أما عميرة هاس فأنا من قرائها المواظبين، وأعرف أنها تعيش في رام الله بين الفلسطينيين الذين تحبهم وتؤمن بحقهم في الحرية وفي الحياة.

ولعل جدعون ليفي هو الأكثر جرأة في التعبير عن الموقف المدافع عن الضحية والمعادي للجلاد، وهو يؤكد دائما أنه لم يختر أن يكون إسرائيلياً، ويجاهر باشمئزازه من التعاطي العنصري مع الفلسطينيين أصحاب الحق الأصيل في البلاد.

بعض الخجل مطلوب أحياناً، خاصة عندما يتعلق الأمر بمن يبادرون للوقوف معنا بلا مقابل ويتصدون لطغيان القوة، ولو بأقلامهم وأصواتهم فقط.

وبعض الوعي مطلوب أيضاً لنكتشف الفرق بين هؤلاء وجيوش من الصحفيين الفلسطينيين والعرب والمسلمين الذين ينخرطون في الترويج للسياسة الأمريكية.

أنا ضد التطبيع، وأحترم جدعون ليفي، وأعتذر له عن إساءات من لا يفقهون.