نيران القصف في غزة (أرشيف)
نيران القصف في غزة (أرشيف)
الإثنين 19 فبراير 2018 / 20:25

قرار الحرب في إسرائيل

لكثرة الحروب المحدودة التي بادرت بها إسرائيل، فإن آلية اتخاذ القرار صارت معروفة لكل من يرغب أن يعرف. يبدأ الامر بتضخيم الخطر المحتمل، ويدعى مجلس الوزراء المصغر للاجتماع، ويستمع المجتمعون إلى تقارير المؤسسة الأمنية والعسكرية، وينشأ جدل حول حجم المعركة وتوقيتها وقد يظهر موقف يطالب بالتريث.

احتمالات الحرب تتساوى مع احتمالات التأجيل والتريث، غير أن ما يقوّض هذه المعادلة هو مفاجأة ما تخرج الوضع في الميدان عن السيطرة واعتماد الحسابات الدقيقة والتعامل بأعصاب باردة

الذي يحسم الأمر في نهاية المطاف هو قراءة المستوى السياسي لمنسوب الخوف والقلق على الصعيد الشعبي، فإن ارتفع إلى مستويات عليا، يؤخذ القرار بلا تردد، وكثيراً ما كان التسرع مكلفاً ميدانياً، ويحمل مفاجآت غير محسوبة.

ولأن إسرائيل تعمل الآن على جبهتين، الجنوبية والشمالية أي غزة وسوريا ولبنان، فإن التسخين التعبوي قد بدأ بتصاعد متدرج تحت جملة تضليلية تستخدم لمخاطبة العالم تقول إن "إسرائيل ما تزال غير راغبة في الحرب، إلا أنها لن تدخر جهداً لصون أمنها وردع المتطاولين عليها".
 
إذا فإن احتمالات الحرب تتساوى مع احتمالات التأجيل والتريث، غير أن ما يقوض هذه المعادلة هو مفاجأة ما تخرج الوضع في الميدان عن السيطرة واعتماد الحسابات الدقيقة والتعامل بأعصاب باردة.

في غزة مثلاً لو أصاب صاروخ بدائي مدرسة أو مزرعة وقتل من قتل وأصيب من أصيب، فأمر كهذا يجمد كل الحسابات الموضوعية ويطلق العنان لسباق المستوى السياسي على إرضاء الرأي العام وليكن بعد ذلك ما يكون.

هذه القاعدة كان لها الفضل في تدمير عملية السلام التي جنّد العالم من أجلها إمكانيات ضوئية على نحو كانت فيه العملية استثماراً دولياً أجمع العالم كله عليه، ومن أجل نجاح المشروع التاريخي لم يبق زعيم بارز من زعماء الكون إلا وزار المنطقة لإنجاح المشروع .

وعاش الفلسطينيون على أمل أنهم وقفوا على حدود دولتهم ولم يبقَ إلا بعض الوقت لتحقيق الحلم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شركائهم الإسرائيليين الذين أملوا باستئصال جذري لمصدر القلق وهو فلسطيني بامتياز، بحيث يتحول المقاومون إلى عامل استقرار جوهري للدولة العبرية وجسر تواصل فعال مع المحيط العربي، وهل هنالك ما هو أهم وأكبر من ذلك؟

تفجير انتحاري واحد هز يقين الجانبين بالنجاح، وعدة طلقات استقرت في صدر رابين أعلنت عن بدء العد التنازلي للمشروع، وكلما ظن الوسطاء أنهم أعادوا القطار إلى السكة، كان تفجير بأي حجم يوقف القطار أو يعيد حركته إلى الوراء، وكذلك الأمر حين كان يعلن عن إقامة مستوطنة أو حتى بعض المنازل الإضافية في مستوطنة قائمة، ويقتل شاب فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي. وبفعل ذلك يبدو المشروع العملاق وقد تقلص إلى أضيق نطاق إلى أن وصلنا الان إلى حالة حرب شاملة بين شركاء السلام، قد لا يكون الدم فيها بغزارة دم الربيع العربي إلا أن الأمل وهذا هو الأخطر، تحول إلى يأس.

إننا الآن في قلب مرحلة يمكن وصفها بهشيم وعود ثقاب، ومثلما أشعل البوعزيزي في تونس الهشيم العربي كله بعود ثقاب، فقد يحدث نفس الشيء ولكن على هيئة حرب.