الروائية سامية عيسى (أرشيف)
الروائية سامية عيسى (أرشيف)
الثلاثاء 20 فبراير 2018 / 19:49

أسطورة بقدم واحدة

في روايتيها "حليب التين" و"خلسة في كوبنهاغن" أثبتت الروائية الفلسطينية سامية عيسى قدرة لافتة للنظر على نبش الذاكرة وتنقيحها من زوائدها واستعادة نواقصها لتكشف عن جرأة في اقتحام "التابوهات" ونشر ما اتسخ من الغسيل على الحبال.

قوة نقد عيسى لذلك التحول تكمن في تزامن طرحها مع إيغال البعض في أسطرة تجربة "الجرمق" من خلال التركيز على فعل المقاومة الذي كانت تمارسه في إطار حالة فلسطينية عامة وتجاهل ارتدادها الفكري والسياسي

تقدم الروايتان قراءات واعية للمسكوت عنه من حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وآثره على تفكيرهم وسلوكهم قبل وبعد لجوئهم الى بلد ثالث دون أن تغفل عن مراحل من علاقات فصائل ما كان يعرف بالثورة الفلسطينية مع مجتمع اللاجئين على الأراضي اللبنانية.

قد يكون تخطي عيسى الأنماط السائدة في ما يعرف بالأدب النسوي والإيغال في البؤر الشائكة من التفكير السياسي والاجتماعي التقليدي سبباً في تجنب النقاد النمطيين التعاطي مع الروايتين أو تجاهل زواياهما الحادة واتفاق القوى السياسية الفلسطينية على التعامل الحذر معهما ومع صاحبتهما.

والظاهر من خلال مقابلة معها نشرها موقع شبابيك الإلكتروني بالتزامن مع صحيفة الدستور الأردنية أن الروائية لم تقل كل ما لديها، وأن هناك مسافات من البوح الذي بدأته لم تقطعها بعد.

من خلال تجربتها السياسية في ما كان يعرف بـ"الكتيبة الطلابية" أو"كتيبة الجرمق" التي كانت ترابط في جنوب لبنان قبل الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ترصد عيسى انسحاق يساريين فلسطينيين أمام رياح الإسلام السياسي الذي مثلته الثورة الإيرانية إثر سقوط نظام الشاه لتعيد إلى الأذهان انزياح التيار الماوي في حركة فتح نحو التأسلم مع انبهار منظره منير شفيق بالحدث الإيراني.

يلفت النظر استخدامها مصطلحات مثل "العبث" و"سقوط الأقنعة" في وصفها الانقلاب المفاجئ من التنظير للحداثة والحريات إلى تمثل تجربة ملالي إيران ومطالبة "الرفيقات" و"الأخوات" بارتداء الحجاب لتدلل بذلك على ضحالة القناعات وعدم تجذر الفكرة الحداثية لدى مدعيها من ثوار ذلك الزمن.

قوة نقد عيسى لذلك التحول تكمن في تزامن طرحها مع إيغال البعض في أسطرة تجربة "الجرمق" من خلال التركيز على فعل المقاومة الذي كانت تمارسه في إطار حالة فلسطينية عامة وتجاهل ارتدادها الفكري والسياسي المتمثل في تخليها عن منظورها الحداثي وانزلاقها الى التفكير الأصولي.

أهمية حضور الرؤى الناقدة للمآلات في مثل هذه الحالات تتمثل في إفقاد الاسطرة أحد أقدامها لتسير عرجاء على قدم واحدة وإحالة محاولات إطفاء الضوء عن جوانب وإنارتها على أخرى إلى عبء مضاعف على أصحابها الباحثين عن نجومية قد يستحقونها وربما لا يستحقون، وبذلك تعزز آراء عيسى قناعة بغياب جدوى مراجعة جوانب من التجربة الفلسطينية وتقييمها واتساع الحاجة إلى قراءة أكثر عمقاً للظاهرة على ضوء مناخاتها واشتباكها مع الظروف.

المساحات المتبقية من الذاكرة والتحولات التي جرت خلال العقود الأخيرة لا تتيح تقديم التاريخ باعتباره وجبة إعلامية ساخنة يسهل توظيفها في هذا الاتجاه أو ذاك ولهذا السبب وغيره قد تجد صاحبة حليب التين وخلسة في كوبنهاغن نفسها معنية بكتابة تجربة انفصالها عن المجموعة المتأسلمة بتأثير من ثورة الملالي سواء في رواية ثالثة أو سيرة ذاتية.