الانتخابات اللبنانية (تعبيرية)
الانتخابات اللبنانية (تعبيرية)
الأربعاء 21 فبراير 2018 / 20:20

أيّ انتخابات في لبنان؟

الإعلان عن إجراء انتخابات نيابية في لبنان يوم 6 أيار (مايو) المقبل خلط أوراقاً وحرك مياهاً راكدة. أحزاب بدأت تُرشح، وأفراد بدأوا يترشّحون، وتكتّلات وأحلاف بدأت تنعقد أو تنفكّ.

يتأكّد يوماً بعد يوم أنّ الحدود المتاحة للتغيير من خلال الانتخابات شبه معدومة. وهناك وراءنا تجربتان حصلتا في 2005 و2009

ويبدو واضحاً أن ما يضاعف الحماسة لدى المتحمسين أن المجلس النيابي الحالي إنما انتُخب في 2009، وهو لم يكف عن التمديد لنفسه مذاك، مرةً بعد مرة. وإذا كان لتطور كهذا أن يخلق "شوقاً" مفهوماً إلى الانتخاب وإلى استفتاء الإرادة الشعبية وتحوّلاتها، فإنّ عاملين اثنين يعزّزان هذا "الشوق":

من جهة، أن أعداداً من الشبان والشابات انتقلوا، في هذه الغضون، من طور عمري إلى آخر، مع كل ما يرمز إليه الطور العمري من تحولات أعرض في الأوضاع والأمزجة والمسائل المطروحة. وغني عن القول إن من حق هؤلاء، بل من واجبهم، أن يجددوا النُخب الحاكمة وأن يحاولوا إيصال رأيهم في الشأن العامّ إلى مواقع الفعل والتأثير.

أمّا من جهة أخرى، فجاء القانون الانتخابي الجديد، الذي أمكن التوصل إليه بعد طول شد وجذب، ليعتمد النسبية، وإن بطريقة جزئية، في الترشح والانتخاب وحسابات النجاح والفشل. وهذا ما شكل عنصر تشجيع لأفراد لا يريدون أن يُحسبوا على كتل طائفيّة كبرى، بل يصنفون أنفسهم في خانة "المستقلين" أو "المجتمع المدنيّ".

لكن في مقابل هذه العناصر القابلة للفهم والتبرير، يتأكد يوماً بعد يوم أن الحدود المتاحة للتغيير من خلال الانتخابات شبه معدومة. وهناك وراءنا تجربتان حصلتا في 2005 و2009 حيث نالت قوى 14 آذار الأكثرية النيابية، إلا أن توازنات القوّة وسلاح حزب الله منعتها من استثمار النتيجتين الانتخابيتين. وقد بات معروفاً كيف نزلت جماعة "القمصان السود" إلى الشارع البيروتي ذات ليلة لتُسقط حكومة سعد الحريري وتُحلّ حكومة نجيب ميقاتي محلها.

واقع الأمر أن العجز الثابت والراسخ عن التأثير في أمر سلاح الحزب المذكور يجعل الانتخابات ذات دور سياسي بالغ الضآلة. أكثر من هذا، يغدو في الوسع استخدامها كمجرد واجهة لتزيين واقع السلطة الفعلية، أي سلطة حزب الله، وتمويهها.

وما يصح في هذه المسألة يصح أيضاً في الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتالياً في الفساد المستشري، مما لا يمكن معالجته دون بت المسائل السياسية الأصليّة.

فهل يُعقل مثلاً أن لا يستطيع البرلمان المنتخب، والذي يُفترض به التعبير عن الإرادة الشعبية، التدخل في أمر خطير كمشاركة الحزب الخميني، الممثل في الحكومات، في الحرب السورية؟ وهل يُعقل أن يكون للبنانيين برلمان لا يحق له أن يحاول إخراج البلد من الاحتمالات المتزايدة لحرب إسرائيلية إيرانية في سوريا، فوق رؤوس اللبنانيين والسوريين، علماً أن توحيد الجبهتين اللبنانية والسورية سيغدو، والحال هذه، تحصيلاً حاصلاً ما دام الحزب ينشط في البلدين معاً؟ وأيّ معنى للإرادة الشعبية حين لا تستطيع التحقق من وجود مصانع إيرانية لإنتاج الصواريخ في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، وفقاً لما تزعمه إسرائيل وتحمل لبنان مسؤوليّته؟

إنّ هذه العناصر جميعاً ترسم سقفاً بالغ الانخفاض لمثل هذه الانتخابات.

وقد يكون مفهوماً تحمل الصحوة الطائفيّة والمناطقية التي يُطلقها الاستقطاب الانتخابي مقابل الاستفادة من تعليم المجتمع الأهلي شيئاً من السياسة والإسهام في تجديد النُخب الحاكمة. لكنْ ما لا يبدو مفهوماً بالقدر نفسه هو أن نجمع بين تلك الصحوة وعدم القدرة على إنجاز أيّ نتيجة سياسية تستحقّ الذكر.

هذا ما يبدو اليوم أنه حال اللبنانيين وانتخاباتهم العتيدة الموعودة!