مسلسل فريندز.(أرشيف)
مسلسل فريندز.(أرشيف)
الجمعة 23 فبراير 2018 / 19:27

فريندز

حين شاهد "عيال هالزمن" المسلسل، وأعني أولئك الذين كانوا حبيسي "البامبرز" خلال المواسم الأخيرة من "فريندز"، أو وُلدوا بعد انتهائه بسنوات، فإنهم قد قابلوه بالهجوم والانتقاد. ولأسباب لا حصر لها

أتذكر حينما تجاوزت جميع الحدود المقبولة شرعاً وعُرفاً للاستظراف، فنشرت عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي صورة لشطيرة البرغر الضخمة التي كنت أتناولها، وأرفقتها بتعليق يقول "أشعر بأني قد قضمت البقرة في حد ذاتها"، في كناية عن افتناني بحجم الشطيرة وطعمها الطازج.

وجاء تفاعل المتابعين إيجابياً في مجمله، وكأنما قد وعدتهم بقضمة من الشطيرة. فهناك الفك المفترس الذي تعجّب من تشبيهي البديع، والمُجامل الذي أمطرني بالوجوه التعبيرية الضاحكة، ومُدّعي الاهتمام الذي تقصّى عن البرغر وأصله وفصله.

ولكني سأتقبّل تماماً أن تجد إحدى حفيداتكم الموقرّات تلك الصورة، فتعيد نشرها بامتعاض في سنة 2050 مع التعليق، "يا الله! أي ضمير حمله هؤلاء؟ وأي مبرر اختلقوا لهذه النكات؟ انظروا كيف كانوا يتندرون بكل أريحية على قضم حيوان بريء! لا أصدّق أننا أبناء وأحفاد أولئك المفتقرين إلى الإنسانية".
عادي!

لقد أضحك مسلسل "فريندز" الشهير الناس على مدار عقد ممتد من 1994 إلى 2004. ولم تُخطئنا الموجة حين وصل إلينا متأخراً، فعلى الرغم من البون الشاسع بيننا وبين هموم روّاد "سنترال بيرك"، كتأجير الأرحام والمساكنة قبل الزواج، شعرنا حقاً بأننا أحد "الأصدقاء".

ولكن حين شاهد "عيال هالزمن" المسلسل، وأعني أولئك الذين كانوا حبيسي "البامبرز" خلال المواسم الأخيرة من "فريندز"، أو وُلدوا بعد انتهائه بسنوات، فإنهم قد قابلوه بالهجوم والانتقاد. ولأسباب لا حصر لها، فقد وجدوه عنصرياً إذ يكاد يقتصر على الشخصيات بيضاء البشرة، ومتحيزاً ضد المرأة، ومستهزئاً بالبدناء، إلخ.

وهم للأمانة محقون في معظم انتقاداتهم. كما أني لا أختلف بالضرورة مع أقراني الذين طالبوا هؤلاء الصغار المتسفسطين بالتنازل عن حساسيتهم المفرطة، واستعدادهم للشعور بالإهانة من كل شيء.

ولكن الفكرة مخيفة قطعاً. أن يخلو الـ52 مليوناً الذين شاهدوا الحلقة الختامية من "فريندز" إلى أنفسهم، فيتفكّرون بأنه قبل عقد من الزمن فقط، كانوا بالنسبة إلى معايير هذا العصر جنساً من البرابرة منعدمي الوعي والقيم والمبادئ فقط لأنهم ضحكوا على "روس" حين عارض لعب ابنه بالعرائس، وربما أيّدوه قليلاً.

هل سأتجمد أنا شخصياً بفعل نفس الصدمة بعد 10 أو 15 سنة من الآن، حين أُدرك –مثلاً- بأني كنت في عشريناتي قد قهقهت حتى تلوّيت وجعاً على بعض المقاطع المُستهجنة لترويع الأطفال أو السخرية منهم؟ هل سأضطر إلى أن أواجه حقيقة أني قد قايضت إنسانيتي في بعض الأحيان بالضحك الرخيص؟
لسنا مطالبين بأن نرجع إلى تلك النسخ السابقة من أنفسنا فنبرأ منها ونكرهها. ولكن حبذا لو اقتنعنا بأن الحاضر وأبناءه ليسوا مضطرون إلى مجاملة ماضينا فقط لأننا لا نود الاعتراف بأنه قبل عقدٍ من الزمن أو أقل، كنا نجسّد جميع المثل والقيم التي سنرص على أضراسنا اليوم انزعاجاً إذا ما اضطررنا لمقابلتها.
كنا ما كنا عليه، وكان الله غفوراً رحيماً.