الأحد 25 فبراير 2018 / 19:30

في فرنسا.. لغة موليير تنحني للغة شكسبير

24 - باريس- عبدالناصر نهار

فاجأت الحكومة الفرنسية شعبها وطلابها على وجه الخصوص، بإعلانها منذ أيام عن استراتيجية جديدة لتطوير مستوى اللغة الانجليزية لدى طلاب البلاد المعروف عنهم ضعف قدراتهم بهذه اللغة، حتى أنّ رئيس الوزراء إدوار فيليب اعترف بأنّ الإنجليزية اليوم هي اللغة المُهيمنة للتفاهم بين الشعوب، موضحا ومؤكدا "عليكم أن تتحدثوا بالإنجليزية إذا أردتم أن تتصرفوا وتتعاملوا في ظل العولمة".

في الحقيقة يندر أن يجد الزائر لباريس من يتحدث معه باللغة الإنجليزية، بل إن ذلك قد يكون معدوما في كثير من المدن الفرنسية الأخرى، بينما يكشف البعض أنّ الفرنسيين حتى وإن كانوا يُتقنون الإنجليزية، إلا أنهم لا يرغبون التحدّث بها نظرا لتمسّكهم الشديد بلغتهم الأم لدرجة لا توصف.

وأقوى مثال على ذلك، الضجّة الواسعة التي قامت في فرنسا العام الماضي بسبب استعمال بلديّة العاصمة باريس للغة الإنجليزية في الشعار الرسمي للحملة الدعائيّة لدعم ترشّح باريس للألعاب الأولمبية عام 2024، واعتبرت حينها كافة الأوساط الأكاديمية والأدبية الفرنسية والإعلامية هذا الاختيار أنّه "إساءة للفرانكفونية"، بل و"خيانة لفرنسا وإهانة لسيادتها"، وذلك على الرغم من أنّ اللجنة المكلفة بالإعداد لترشيح باريس قد أعدت نفس الشعار باللغة الفرنسية، ولكن تمّ انتقادها لأنها أعطت حينها الأولوية للغة الإنجليزيّة، فظهرت بذلك اللغة الفرنسيّة كما وأنها لغة ثانويّة في عقر الدار الفرنسية.

وعادة ما يحل الفرنسيون في مرتبة ثاني أسوأ مُتحدثين باللغة الإنجليزية في أوروبا بعد الإيطاليين، وذلك وفقاً للدراسات التي تُجريها سنويا (إديوكيشن فيرست).

لكنّ الحكومة الفرنسية أكملت مُفاجأتها بإعلانها عن اشتراط حصول جميع الطلبة في المرحلة الثانوية أو في السنة الجامعية الأولى على أقصى تقدير، وبشكل إلزامي لكافة مدارس فرنسا، على شهادة دولية مُعترف بها في اللغة الإنجليزية، ومنها شهادة (ايلتس) من جامعة كمبريدج البريطانية، وشهادة (التوفل) الأميركية، وذلك ضمن جهودها لتحسين مستوى اللغة الإنجليزية لدى الطلاب الفرنسيين ومُساعدتهم على الخروج من المجتمع الفرنسي التقليدي، وإعدادهم بالتالي بشكل أفضل "لغزو العالم"، وذلك وفقا لما جاء في تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي، الذي وعد بأن تتحمل الحكومة تكلفة إجراء تلك الاختبارات التي تبلغ نحو 230 يورو لكل طالب.

وتأتي التوجّهات الحكومية الفرنسية الجديدة، في ظلّ ما يُعرف عن تمسّك الفرنسيين الشديد بلغتهم، والتي تُعتبر على مستوى العالم بأنها "لغة الثقافة"، حيث يُعترف بها كلغة دولية في فن الطبخ، والأزياء، والمسرح، والرقص، والفنون البصرية، وحتى الرياضة.

وتعتبر الفرنسية من أكثر اللغات انتشارا على مستوى العالم، يتحدث بها في القارات الخمس حوالي 200 مليون شخص، وتجمع معظمهم منظمة الفرانكفونية التي تضم 57 بلداً عضواً، وهي لغة معتمدة في جميع منظمات الأمم المتحدة، واللغة الرسمية للدولة في 29 بلداً، لكن لغة شكسبير باتت اليوم تتهدّد لغة موليير، بموافقة من أصحاب الشأن الفرنسي.