جلسة لمجلس الأمن.(أرشيف)
جلسة لمجلس الأمن.(أرشيف)
الثلاثاء 27 فبراير 2018 / 20:09

فيتو روسي بالحبر السري

كما مدت الولايات المتحدة لسانها للعالم في ما يخص كل فيتو استخدمته حماية لربيبتها إسرائيل، تمد روسيا لسانها الآن للولايات المتحدة خاصة، ومنذ 2011، عبر 11 فيتو، ومواقف أخرى بالحبر السري، الأمر الذي فسره بعض الكتاب بأنه محاولة انتقامية من بوتين لـ"الاتحاد السوفياتي المرحوم"، أكثر منه حماية للنظام الأسدي

على عادة جواسيس أيام زمان، عندما كانوا يكتبون رسائلهم بالحبر السري، استخدمت روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن دون أن يكتشفها أحد، فوافقت على مشروع الهدنة في "عموم سوريا"، والتزمت به، ما عدا الجزء السري الذي عطلت فيه صدور القرار الأممي المقدم من الكويت والسويد أياماً، فاستمرت طائراتها بمساندة قوات النظام الأسدي وميليشاته في قصف الغوطة الشرقية، دون اعتبار لعبارة "دون إبطاء" التي جاءت في المادة الأولى من القرار الذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر.

وهذه ليست سابقة روسية، فالأمر معاد ومكرور منذ ابتداع صيغ "مناطق خفض التصعيد" في سلسلة مؤتمرات أستانة، حيث ترسم روسيا حدود هذه المناطق، وتفخخ الرسم بتداخل الخطوط كي تكون "المجموعات الإرهابية" على حدود المنطقة، أو متسللة إليها سلفاً، فيستمر القتال من طرف واحد، قبل أن يهنأ "الإرهابيون" بساعات من النوم تتخللها وجبة ساخنة.

ومن بين التفكير "السري" لروسيا، قوائم الفصائل المصنفة إرهابية، فكل من يرفع السلاح في وجه حليفها الأسدي هو إرهابي، حتى لو كان المعلن أن تنظيمي داعش والنصرة هما الإرهابيان فقط، كونهما الأكثر جدارة بلقب "إرهابي"، في اتفاق ضمني بين معظم المتابعين للحرب على سوريا.

وبالعودة إلى ما حدث في مجلس الأمن، بعد التصويت على القرار، أن الكلمات التي عقبت على نجاح صدور القرار شككت في جدية تطبيقه، فقد هاجمت مندوبة الولايات المتحدة روسيا لمساهمتها في تأجيل صدوره، لكن بلهجة أقل مما لو استخدمت روسيا حق النقض لمنع صدور القرار. لكن ما وراء الكلمات عكس حالة القهر التي شعرت بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من وراء تجبر روسيا في مواجهة "المجتمع الدولي".

بالطبع، لا يغيب عن ذاكرة المتابع أن الأمر سينطبق على الولايات المتحدة حين يتعلق الأمر بإسرائيل، حيث استخدمت واشنطن الفيتو 33 مرة بين عامي 1972 و2014، وحالت دون توجيه حتى لوم للكيان العبري في كل مرة يرتكب فيها جريمة حرب ضد الفلسطينيين. هذا عدا المرات التي مررت فيها قرارات ضد إسرائيل بالحبر السري، فأضحت قرارات مجلس الأمن وكأنها لم تكن، مشتركة في ذلك مع فرنسا وبريطانيا، الراعيتين السابقتين لإسرائيل قبل تفرد الولايات المتحدة بهذه الرعاية منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وأشهر تلك القرارات قرار مجلس الأمن رقم 242 المليء بالثغرات، والذي أصبح محلاً للتفاوض بدل أن يكون ملزماً لأطراف الصراع.

وكما مدت الولايات المتحدة لسانها للعالم في ما يخص كل فيتو استخدمته حماية لربيبتها إسرائيل، تمد روسيا لسانها الآن للولايات المتحدة خاصة، ومنذ 2011، عبر 11 فيتو، ومواقف أخرى بالحبر السري، الأمر الذي فسره بعض الكتاب بأنه محاولة انتقامية من بوتين لـ"الاتحاد السوفياتي المرحوم"، أكثر منه حماية للنظام الأسدي، أو لمكاسب تبحث عنها روسيا في النفط والغاز السوري غير المؤكد بشكل واقعي حتى اليوم.

وفي كواليس الفيتو الروسي السوري، لا بد من التكهن عن الحضور التركي، على اعتبار أنقرة تخوض حرباً في مدينة عفرين ومحيطها ضد "قوات حماية الشعب" الكردية التابعة لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري، الوجه الآخر لـ"حزب العمال الكردستاني" التركي المصنف إرهابياً، منذ أكثر من شهر دون تحقيق نتائج ملموسة، فالمنطقي أن يكون لتركيا دور في دعم الموقف الروسي، على اعتبار أن منطوق القرار يطالب بهدنة في عموم أنحاء سوريا، بما فيها عفرين. لكن، لا مصلحة لتركيا الآن في إيقاف عملية "غصن الزيتون" دون تحقيق أهدافها بطرد القوات الكردية من هناك. ولذلك، كان لتركيا تفسيرها الخاص بالقرار، كونها تمتلك قائمة إرهاب تهدد أمنها القومي، مثلها مثل روسيا التي لا تكتفي بوضع داعش والنصرة على قائمتها الخاصة، بل أضافت "حركة أحرار الشام" على هذه القائمة، على الرغم من الحرب الدائرة الآن بين الحركة، من ضمن جبهة تحرير سوريا، ضد جبهة النصرة في إدلب. وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر صحفي، من أن الهدنة "لا تشمل أحرار الشام، وجيش الإسلام". وأضاف بالخط العريض أن "وقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً الذي دعا إليه مجلس الأمن سيبدأ عندما تتفق كل الأطراف على كيفية تنفيذه".

كل ذلك يؤكد أن روسيا رفعت، عملياً، الفيتو الثاني عشر حماية لمشروعها في سوريا، وأن أمريكا مدركة لذلك، وهي الخبيرة بمثل هذه الحالات. ما يعني أن توقعات اتخاذ أمريكا إجراء أحادياً، أو بالتكافل مع بريطانيا وفرنسا، احتمال قائم، وأن ما ألمحت إليه الدول الثلاث يستند إلى توقعها للموقف الروسي قبل صدور القرار. أما عن طبيعة هذا الإجراء الأحادي – الثلاثي فلا يمكن الجزم حتى بحدوثه، قياساً على حرص الكبار على عدم الاصطدام مباشرة في أرض سوريا، أو سمائها، حتى لو كان عبر الصواريخ متوسطة المدى الرابضة في حاملات الطائرات الأمريكية التي تتجول في البحر المتوسط غير بعيد من الساحل السوري.