السيدة مور والآنسة أديلا والدكتور عزيز  في فيلم "ممر إلى الهند" 1984 (أرشيف)
السيدة مور والآنسة أديلا والدكتور عزيز في فيلم "ممر إلى الهند" 1984 (أرشيف)
الأربعاء 7 مارس 2018 / 20:10

شرق وغرب

لا تصدق السيدة مور أن الدكتور عزيز اغتصب الآنسة أديلا كويستد، لكنها تهرب إلى إنجلترا، وترفض أن تشترك في مسرحية محاكمته

تبدأ رواية "ممر إلى الهند"، للروائي الإنجليزي إي. إم. فورستر، بالسطر الآتي: ما عدا كهوف مارابار، فإن مدينة تشاندرا بور، لا توحي بأي شيء استثنائي. تأكيد من فورستر منذ البداية، على أن المكان التاريخي، الأثري، هو فقط ما يملكه الشرق، صدفةً، وعلى الفنان الغربي، المغامر، المحب للمعرفة، إعادة اكتشاف المكان الغامض. لا تختلف وجهة نظر المخرج ديفيد لين، الذي أخرج فيلم "ممر إلى الهند"، 1984، عن وجهة نظر إي. إم. فورستر. الآنسة أديلا كويستد الفيكتورية، المحافظة جسدياً، تخرج للمرة الأولى من إنجلترا، وإلى الهند، النقلة كبيرة، ومنذرة بالسوء. الآنسة أديلا تصطحب معها السيدة مور، والدة روني هيسلوب، قاضي مدينة تشاندرا بور، وهو الزوج المُحْتَمَل للآنسة كويستد. السيدتان تريدان إقامة علاقات اجتماعية، ودية، مع الهنود. يُصرِّح السيد تورتون، الحاكم العام لمدينة تشاندرا بور، وزوجته، بأن البريطانيين لا يُقيمون علاقات اجتماعية أو ودية مع الهنود، وتردد زوجة الحاكم، للسيدة مور، المقولة المتعالية الاستعمارية: الشرق هو الشرق يا سيدة مور. بكثير من التعقيد، السيدة مور والآنسة أديلا لا تريدان فعلياً إقامة علاقات اجتماعية ودية مع الهنود، بل تريدان في الحقيقة، معرفة شيء غامض عن هذا المكان، ولا بأس إن كانت أجساد الهنود الشرقيين، جسراً هشاً، يتم عبوره على عجل، للوصول لهذا الشيء الغامض، التاريخي، والأثري، ألا وهو كهوف مارابار.

الدكتور عزيز الهندي، اللطيف، الخانع، المعجب بالبريطانيين، والعارف أيضاً بمدى عنصريتهم، بل والساخر من تلك العنصرية بقوله: اعط للبريطاني عامين كي يُظْهِر عنصريته، واعط للبريطانية ستة أشهر كي تُظْهِر عنصريتها. ورغم ذلك يتطوع الدكتور عزيز، ليكون الاجتماعي، الودود، مع السيدتين البريطانيتين، أي ليكون الجسر الهش لأقدام السيدة مور والآنسة أديلا. تحاول الآنسة أديلا كويستد، مُنفردة، مُحاوَلَة استكشاف، وكأنها تختبر غموض المكان، دفعةً واحدةً، ودون الحاجة إلى جسر الدكتور عزيز الهندي.

والمشهد من أقوى مشاهد الفيلم. بدرَّاجة تدخل أديلا، في وضح النهار، دغلاً هادئاً في غابة، أشبه ببقايا معبد. تماثيل آلهة هندوسية تنظر باستنكار للمتسللة أديلا، تماثيل أخرى في عناق وحشي، حسي، وثني، يناقض، ويعتدي على بيوريتانية الآنسة أديلا كويستد، قرود مكاك الشرسة، تهبط من أعلى التماثيل، لمهاجمة الآنسة أديلا كويستد التي تهرب بالدرَّاجة خارج الغابة.

يُدعى الدكتور عزيز لمُقابلة السيدة مور والآنسة أديلا في بيت الإنجليزي ريتشارد فيلدنغ، مدير المدرسة، والمحب للهنود.

يصل الدكتور عزيز إلى بيت السيد فيلدنغ قبل موعده، وكأن الشرقي لا يستطيع الوصول أبداً في موعده، إما مُتأخراً جداً أو مُبكراً جداً.

في حالة الدكتور عزيز، الحماسة واللهفة إلى اللقاء، كانتا وراء حضوره المُبكِّر بعض الشيء. يستمتع ريتشارد فيلدنغ، بصمت، وتواضع، ودون إشهار، أمام الامتياز الممنوح حصرياً، من قِبَل الذوق، لكل إنجليزي جنتلمان يأتي في موعده فقط.

يدعو الدكتور عزيز السيدتين مور وأديلا إلى نزهة بقطار جبلي على ارتفاع ألفين قدم فوق سطح الأرض، لرؤية كهوف مارابار، وهي أعجوبة الهند. يطلب الدكتور عزيز تأكيد كلماته من الفيلسوف البراهمي جودبولي، وهو صديق السيد ريتشارد فيلدنغ. يؤكد جودبولي كلمات الدكتور عزيز بشكل بارد.

تسأل الآنسة أديلا الدكتور عزيز: كم عدد الكهوف؟ مفاجأة الدكتور عزيز الطيب، الأخرق، لم يزر يوماً كهوف مارابار. يضحك ريتشارد فيلدنغ بتسامح. تسأل أديلا الفيلسوف البراهمي جودبولي، إن كان شاهد يوماً كهوف مارابار، فيجيبها بنعم. تطلب أديلا من البراهمي أن يخبرها شيئاً عن الكهوف.

يقول البراهمي جودبولي محبطاً الجميع: هي سبعة أو ثمانية كهوف محفورة في الجبل، وهي ليستْ مقدسة، ولا مزخرفة برسوم، هي مظلمة وفارغة. تسأل الآنسة أديلا: لا بد أن هناك سبباً لشهرتها. يرد البراهمي جودبولي بنعم غامضة، ثم يخلع نظارته، وينظر للسيدة مور التي ترتبك من نظرته.

الدكتور عزيز الفقير لا يتحمل إلا بصعوبة، تكاليف النزهة إلى كهوف مارابار. يتدبر مع صديقيه ما يجب توفيره.

البريطانيون يأكلون ويشربون كثيراً، إضافة إلى تذاكر القطار في الدرجة الأولى. ينصح أحد الصديقين، الدكتور عزيز، بأن عليه المبيت في المحطة. التأخير في المواعيد يزعج الإنجليز. في عربة القطار، وعلى امتداد نظر السيدة مور، ترى الخادم يقوم بتحضير الطعام والشراب أمام قاعدة التواليت، وهذه لفتة غير واقعية، وجائرة من المخرج الكبير ديفيد لين، وكأن قاعدة التواليت وُضعتْ هنا تحديداً، لتصميم ورسم سابق، على الورق، للمشهد السينمائي، وليس لطبيعة تصميم عربة قطار واقعي، في الدرجة الأولى.

تفزع السيدة مور من الكهف المظلم الفارغ، وأمام كهف آخر، تُجري الآنسة أديلا حديثاً ودياً مع الدكتور عزيز عن حبه لزوجته المتوفاة، ثم تدخل الكهف المظلم، فتصاب بفزع، وتهرب كما هربتْ من قرود المكاك في الغابة، وتتهم الدكتور عزيز بمحاولة اغتصابها. كأن ديفيد لين يُعاقب الهنود، بسبب أن المكان استعصى على فهم بطلته الآنسة أديلا كويستد، وهي رؤية يشترك فيها البريطانيون جميعاً. الشرق مذنب، لأنه عصي على فهم الغربي، ولتغطية عار عدم الفهم، لا بد من مُحَاكَمَة الشرق.

لا تصدق السيدة مور أن الدكتور عزيز اغتصب الآنسة أديلا كويستد، لكنها تهرب إلى إنجلترا، وترفض أن تشترك في مسرحية محاكمته. تموت السيدة مور في رحلة عودتها، وكأنَّ قدرها تحقق بفعل نظرة الفيلسوف البراهمي جودبولي.

من ضمن حجج محامي الادعاء البريطاني، حقيقة كونية، وهي أن الأعراق من ذوات البشرة الداكنة ينجذبون إلى ذوات البشرة الفاتحة.

يرد محامي الدكتور عزيز: حتى عندما تكون السيدة أقل جاذبية من الرجل؟ تأتي شهادة الآنسة أديلا كويستد، بأنها ليستْ متأكدة، إن كان الدكتور عزيز قد حَاوَل اغتصابها أم لا. تعتقد الآنسة أديلا كويستد أن غلطتها كانت بسبب الحديث الودي مع الدكتور عزيز.

سألته عن الحب. وكأنها تعترف، بأنها هي مَنْ حَاوَلتْ اغتصاب الدكتور عزيز، برفع مكانته إلى إنسان، يستطيع استقبال حديثها الودي، ويفهمه. بعد براءة الدكتور عزيز، بقيتْ السيدة مور، في مخيلته، ذات مكانة عالية.