خراب ودمار في الغوطة الشرقية.(أرشيف)
خراب ودمار في الغوطة الشرقية.(أرشيف)
الثلاثاء 13 مارس 2018 / 21:08

رغبتنا في أن تصمد الغوطة الشرقية

اتجاه المعركة، بصيغة رغبوية من جمهور الثورة الذين تحولوا إلى مجرد مظلومين وفقراء بعد آمال عريضة، ودون أن تستند رغباتهم إلى معلومات أو منطق، هو أن الغوطة ستصمد، بناسها وفصائلها، وستتجاوز جرحها العميق حتى في هذه المرة

الحديث عن صمود الغوطة الشرقية في وجه حرب روسيا وحلفائها، وعدم الاستسلام لقوة الأمر الواقع، لا يفيد في تفسير احتمالات ما سيحدث بعد أيام وأسابيع. كما لا يؤشر ذلك إلى طاقة المدنيين على التحمل في ظل استمرار حرب الجوع ونقص الدواء والأطباء والمسعفين.

لكن محللين عسكريين يتحدثون عن "معجزة" الصمود حتى اليوم أمام متفجرات تعادل سبع قنابل نووية في عشرين يوماً، وعن شجاعة المقاتلين واستمرار القتال تحت وقع ضربات جوية تعكس عدم توازن في التسليح وطرق الإمداد، خاصة مع أنباء متقاطعة تؤكد فصل جبهة دوما عن جبهة جوبر.

هذا الفصل يعني في ما يعنيه أن دفاعات "جيش الإسلام" ستكون منفصلة عن دفاعات "فيلق الرحمن" الذي تسانده "حركة أحرار الشام"، وفقاً لمناطق سيطرة الفصيلين الرئيسين الحاكمين للغوطة الشرقية.

وحتى هذه اللحظة، تبدو استجابة الفصيلين لاتصالات روسيا، كـ"وسيط"، منفصلة. فكل منهما يتفاوض، أو ينسق، مع روسيا، لإخراج عناصر "هيئة تحرير الشام" من المنطقة، على الرغم من انكشاف كذبة وذريعة وجود حوالي 200 عنصر من "الهيئة" كمبرر لشن هذه الحرب التي تمثل استراتيجية متأخرة للنظام بعد أن ارتاح في جبهات أخرى من قتال "الأخوة الأعداء" فيما بينهم، أو بعد أن بسط سيطرته على أجزاء مهمة من مناطق الفصائل المعارضة، خصوصاً بعد هندسة مناطق "تخفيف التصعيد".

أما عن استراتيجية "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، فليست واضحة حتى اليوم، خاصة أن سيرة العداء مستمرة بينهما، على خلفية فقدان مئات الضحايا خلال عدة جولات من الحروب والاعتقالات بينهما في السنوات الماضي. ما يعني استبعاد الحديث عن استراتيجية مشتركة للفصيلين الكبيرين، حتى في مواجهة أكبر خطر تتعرض له الغوطة الشرقية منذ عام 2012.

ويرى بعض المحللين أن ما يُحكى عن فصل الغوطة إلى قسمين، يعد من الناحية الشكلية والجغرافية حصاراً للقوات المدافعة والمدنيين، لكنه حصار للقوات المهاجمة من وجهة نظر أخرى، ليس بالنظر إلى تقارب خطوط الجبهة من الجهتين، وخوض حرب شوارع يقف فيها الطيران على الحياد، بل لاحتمال أن تكون هذه استراتيجية غير معلنة إذا كان "جيش الإسلام" قد اتفق مع "فيلق الرحمن" على استدراج قوات النظام الأسدي وميلشياته للوقوع بين فكي كماشة تستنزف العنصر البشري للقوات المهاجمة لفترة طويلة، وتؤجل ما أمكن انتصار المهاجم، أو استسلام المدافع.

ويعتقد هؤلاء المحللون أن صمود طريق المشافي لعشرين يوماً، كجبهة رخوة، كونها أرض بساتين سهلية تفتقد للتحصينات، يعد "معجزة" بالمعنى العسكري، وأن الانسحاب منها تدريجياً يعد حكمة عسكرية من المدافعين عن الغوطة، ووسيلة لإيهام المهاجمين بالتقدم السهل في اتجاه مناطق سكنية خالية من السكان، وتتمتع بتحصينات وأنفاق من الممكن أن تشكل نقطة قوة تقلب الموازين في حرب استنزاف طويلة قد لا تتحمل قوات النظام الأسدي والميليشيات الإيرانية المساندة له خسائرها البشرية.

يضاف إلى ذلك أن طول المعركة سيستنزف الجهد الديبلوماسي الروسي، ويضع موسكو في حرج حقيقي إن لم تكن المعركة قصيرة، مع الإشارة إلى استفزار أمريكي – أردني من الجنوب يحتمل إعطاء فصائل الجنوب في درعا "الإذن" بالدخول في المعركة انطلاقاً من منطقة نفوذ أمريكية لا تجرؤ روسيا وحليفها الأسدي على المبادرة بالهجوم عليها، في الوقت الراهن على الأقل.

ومن المعلوم أن فصائل الجنوب مرتهنة تماماً للقرار الأمريكي، في منطقة تثير قلق إسرائيل، وسلاحها محدد الوجهة لقتال داعش المتواجد فعلياً من خلال "جيش خالد بن الوليد" لموالي للتنظيم. لكن حالة الهدنة شبه المستمرة مع الفصيل الداعشي تثير أسئلة مريبة عن ذلك، إلا إذا كان الفصيل الداعشي ضمانة لإسرائيل كونه يفصل بين إسرائيل وميليشيات موالية لإيران تنظر إلى الجنوب بشكل يثير قلق الكيان العبري.

وإلى أن تتضح صورة سير المعركة، سيكون المدنيون، مرة أخرى ولا نهائية، الخاسر في هذه الحرب، سواء أكانوا حاضنة شعبية، أو مجبرين على البقاء والصمود، دون أدنى اعتبار من المهاجمين أو المدافعين للحياة البشرية، في إطار سباقهم للمحافظة على النفوذ، أو استعادة السيطرة على ما يعتبره كلٌّ منهم حقاً له.

وعلى هذا، فاتجاه المعركة، بصيغة رغبوية من جمهور الثورة الذين تحولوا إلى مجرد مظلومين وفقراء بعد آمال عريضة، ودون أن تستند رغباتهم إلى معلومات أو منطق، هو أن الغوطة ستصمد، بناسها وفصائلها، وستتجاوز جرحها العميق حتى في هذه المرة، لكن حقائق السياسة والقوة و"المؤامرة الكونية"، ومنطق المزرعة الأسدية، لن يقبل بنصف حل، فإما استعادة السيطرة على الغوطة كاملة ومدمرة، أو خسارة دمشق العاصمة ذاتها.

وهنا، نحن بالتأكيد أمام نظرتين رغبويتين مشتركتين لدى الطرفين، الأولى ممكنة وصعبة بالنسبة للنظام الأسدي وجمهوره، والثانية قد لا تبدو مستحيلة إذا صمدت الغوطة وتغيرت موازين القوى السياسية، بفعل فاعل أمريكي، غالباً، وربما بحثاً عن حل وسط لا يُسقط الغوطة المدمرة، ولا يبقي دمشق رهينة تحت حكم الأبد.