وزير الخارجية الأمريكي المقال ريك تيلرسون.(أرشيف)
وزير الخارجية الأمريكي المقال ريك تيلرسون.(أرشيف)
الأربعاء 14 مارس 2018 / 20:19

تيلرسون أم سياسة أمريكا الخارجيّة؟

يبقى لإقالة تيلرسون طعم خاصّ، ليس لأنّه وزير خارجيّة ناجح، فهو من أفشل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الخارجيّة في الولايات المتّحدة. السبب الفعليّ كامن في الوزارة، لا في الوزير

جاءت إقالة ريكس تيلرسون من وزارة الخارجيّة، فيما كان على متن طائرة بعيداً عن الولايات المتّحدة، لتضمّ اسماً كبيراً إلى أسماء كبيرة أخرى.

فقط للتذكير، هذه لائحة سريعة، جمعتها بي بي سي، بالموظّفين والرسميّين الكبار الذين أقالهم الرئيس دونالد ترامب، أو أنّهم استقالوا، خلال عام وبضعة أشهر فحسب من ولايته:

غاري كوهن، رئيس المستشارين الاقتصاديّين. أقيل في 6 مارس (آذار) الجاري.
هوب هيكس، مديرة الاتّصالات في البيت الأبيض. استقالت في 28 فبراير (شباط) الماضي.
روب بورتر، سكرتير موظّفي البيت الأبيض. استقال في 8 فبراير الماضي.
أندرو مكابي، نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدراليّ. استقال في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي.
توم برايس، وزير الصحة. أقيل في 29 سبتمبر (أيلول) 2017.
ستيف بانون، كبير استراتيجيّي البيت الأبيض. أقيل في 18 أغسطس (آب) 2017.
أنتوني سكاراموتشي، مدير الاتصالات. أقيل في 31 يوليو (تموز) 2017.
رينس بريبوس، رئيس الموظّفين. أقيل في 28 يوليو 2017.
شون سبايسر، السكرتير الصحافيّ للبيت الأبيض. استقال في 21 يوليو 2017.
جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدراليّ. أقيل في 9 مايو (أيار) 2017.
مايكل فلين، مستشار الأمن القوميّ. استقال (لكنْ طُلب منه ذلك) في 14 فبراير 2017.
سالي ييتس، المدّعية العامة بالنيابة. أقيلت في 31 يناير (كانون الثاني) 2017. (قضت في المنصب 10 أيّام فقط).
بريت بهارارا، المدّعي الفيدراليّ في نيويورك. أقيل في 11 مارس 2017.

وبالفعل "تعدّدت الأسباب والموت واحد". إنّه اعتباط ترامب ومزاجيّته وصعوبة العمل معه. رغم ذلك، يبقى لإقالة تيلرسون طعم خاصّ، ليس لأنّه وزير خارجيّة ناجح، فهو من أفشل الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الخارجيّة في الولايات المتّحدة. السبب الفعليّ كامن في الوزارة، لا في الوزير.

فالمعروف، في النظام الرئاسيّ الأمريكيّ، أنّ وزير الخارجيّة إنّما يعادل رئيس الحكومة في الأنظمة الديمقراطيّة غير الرئاسيّة. فهو أهمّ كثيراً من نائب الرئيس الذي لا تظهر أهميّته إلاّ إذا شغر المنصب الرئاسيّ بوفاة الرئيس أو إقالته. إنّه، في اللغة السياسيّة الأمريكيّة، "سكرتير الدولة".

لهذا عرفت الولايات المتّحدة عدداً من وزراء الخارجيّة الذين تركوا بصمات قويّة على سياسات بلدهم، وبالتالي على أوضاع وسياسات العالم بأسره.

من هؤلاء كان جورج مارشال، صاحب البرنامج الشهير لإعادة البناء، في عهد هاري ترومان، وجون فوستر دالاس، صاحب مشاريع الأحلاف الشهيرة، في عهد دوايت أيزنهاور، وهنري كسينجر، الذائع الصيت والأثر، في عهد ريتشارد نيكسون...

مع ترامب، استُهدفت وزارة الخارجيّة أوّلاً، لأنّ الميل الانعزاليّ لسيّد البيت الأبيض لا يقيم كبير وزن للديبلوماسيّة. جاء هذا الاستهداف يطال الموازنة، ويطال استكمال جهاز الموظّفين، كما يطال تسليم المنصب لرجل أعمال هو تيلرسون. فالأخير، الذي هو الرئيس السابق لشركة "إكسون" العملاقة، ليس لديه أيّ تاريخ يُذكر في العمل السياسيّ أو الديبلوماسيّ.

بيد أنّ تراكم الخلافات بين هذا الوزير ورئيسه جعل ترامب يستهدف الوزير أيضاً، بعد استهدافه الوزارة.

وهنا تكمن المشكلة: فأن يُطاح وزير الخارجيّة في بلد شديد التأثير كالولايات المتّحدة، بعد قضائه فترة قصيرة جدّاً في منصبه، فهذا دليل إضافيّ إلى انعدام التماسك والاستمراريّة. وكم يبدو هذا العارض خطيراً حين نتذكّر فلاديمير بوتين وعلي خامنئي وشي جينبينغ ممّن يوطّدون سلطاتهم، الداخليّة والخارجيّة، بأيّ وسيلة كانت!

أمّا التعويض بمايك بومبيو بوصفه "أشدّ انسجاماً مع الرئيس وسياساته"، فمن الصعب أن يُقنع الكثيرين حين تكون السياسات أقرب إلى أمزجة متقلّبة.