الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس.(أرشيف)
الخميس 15 مارس 2018 / 20:21

في أمر الخلافة

الأكثر اتزاناً داخل هذه الزوبعة هو "أبو مازن" نفسه، الذي لا يبدو أنه على عجلة من أمره ويواصل اتصالاته وزياراته متصالحاً مع سنه ومتاعبه الصحية

يسعى الحديث عن خلافة الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" مسعى الإشاعة، ويتحول إلى بند في برنامج معارضة لا تتمتع بالبراءة، رغم أن الرجل، أطال الله في عمره، تجاوز الثمانين، وثمة إعلانات شبه دورية، غير مبررة في أحيان كثيرة، من ناطقين رسميين ومسؤولين مقربين ومريدين، تؤكد تمتعه بالصحة وسلامة الأداء.

ويواصل آخرون تتبع زياراته للمشافي ورسم خطوط وأسهم وعلامات خلف موكبه، من "المستشفى الاستشاري" في رام الله إلى مشافي الأردن أو مستشفى "بالتيمور" في نيويورك، والاستشهاد بإشارات الصحافة الإسرائيلية التي تعتمد بدورها على "التسريبات" التي تصل من الدائرة المحيطة بالرئيس ومكاتب "المقاطعة" ورغبة الخصوم.

في الظل يقبع من يبني برنامجاً سياسياً على التنصت على سماعات الأطباء، حماس على سبيل المثال، ويؤجل استحقاقات وطنية ملحة بناء على تقارير "القناة 20" الإسرائيلية وتوقعات "يوني بن مناحيم"، رئيس هيئة البث الإسرائيلي السابق، حول "نية الرئيس الفلسطيني الاستقالة قريباً من منصبه على خلفية وضعه الصحي المتدهور"، مستنداً في تقريره إلى مسؤولين كبار في حركة فتح".

آخرون ممن نبتت لهم أجنحة مفاجئة تحت مظلة مكتب "المقاطعة"، لهذا السبب او ذاك، يتململون في العش وينفضون ريشهم الجديد وهم يفكرون بالطيران، أو البحث عن مظلة أخرى، بينما يحاول البعض الدفع، بطرق مبتكرة، للإسراع في اتخاذ ترتيبات داخلية تضمن حصولهم على مقاعد أفضل، يستطيعون الاستقرار فيها قبل "الفوضى"، التي يتحدث عنها الإعلام الإسرائيلي.
  
للحقيقة أن الأكثر اتزاناً داخل هذه الزوبعة هو "أبو مازن" نفسه، الذي لا يبدو أنه على عجلة من أمره ويواصل اتصالاته وزياراته متصالحاً مع سنه ومتاعبه الصحية، لو افترضنا وجود هذه المتاعب، ولعله لم يقصد حدوث كل هذا عبر الإشارات التي أطلقها في الأسابيع الأخيرة، وفي أكثر من مناسبة، جمعته بكوادر "فتح" وفصائل منظمة التحرير، حين كرر الجملة التي فتحت النوافذ وأطلقت أجهزة الإنذار، "قد يكون هذا آخر لقاء يجمعنا"، فيما يشبه "خطبة وداع".

العبارة وصلت مباشرة إلى مختبرات "المحللين"، فقد أخذها المريدون على أنها تحذير من محاولة اغتيال قد يتعرض لها الرئيس بسبب مواقفه الرافضة لقرارات ترامب وإدارته، ووقوفه في مواجهة "صفقة العصر"، مذكرين بمصير الرئيس الراحل ياسر عرفات وحصاره في "المقاطعة" بعد اجتياح الضفة الغربية في عملية "السور الواقي"، ثم الوصول الى دعوة واضحة للالتفاف حول "أبو مازن" و"فتح" التي تخوض المواجهة، على الأرض وفي محيط عربي مفكك ودولي غير مهتم، ضد تحالف معلن بين مكتبي "نتنياهو" و"ترامب".

فيما يأخذه بعض المعارضين على أنه تمهيد لخروج الرئيس من المشهد السياسي لأسباب صحية، متجاهلين الشروط التي تدفع سياسياً متكتماً مثل "محمود عباس" لوضع أوراقه على الطاولة، وإعلان رفضه لصفقة ترامب ومقاطعة مبعوثيه، ودعوته المتكررة لتحجيم الدور الأحادي الأميركي في أية مفاوضات قد تحدث مستقبلاً، قبل أن يباشروا في استعراض قائمة الورثة وحظوظهم.

وسيذهب البعض إلى اعتبارها رسالة لإدارة ترامب تشكل خطاً أحمر لما يمكن أن يقدمه الفلسطينيون.

في سياقات عادية لا يبدو الحديث عن خلافة "الرئيس" "جناية وطنية"، ولا تشكل زيارته للطبيب سبباً لهذا القدر من الهلع والفوضى والاجتهاد السياسي، ولا تشكل صحة الرئيس فرصة للاستثمار السياسي، أو تأجيل مطالب وطنية تمس بشكل مباشر حياة الناس والمشروع الوطني نفسه.

هذه النزعات الانتهازية، ضيقة الأفق هي "المرض" الحقيقي الذي يعاني منه "النظام السياسي" الفلسطيني، الذي ينزف منذ "صبيحة أوسلو" وصولاً إلى "انقلاب حماس" ومضاعفاته.

النظام الذي يضع الرئاسيات الثلاث في جيب "الرئيس"؛ رئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة ورئاسة "الحزب الحاكم"، بينما تنفرد حماس بجزء من الأرض وما عليها.

نظام لم يعد صالحاً للاستعمال ولن ينتج عن محاولات إعادة انتاجه سوى المزيد من "الفوضى".

ببساطة "النظام" هو المريض هنا.